الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
68 - لعل

تجيء لمعان :

الأول للترجي في المحبوب نحو : لعل الله يغفر لنا ، وللإشفاق في المكروه ، نحو : لعل الله يغفر للعاصي . ثم وردت في كلام من يستحيل عليه الوصفان ، لأن الترجي للجهل بالعاقبة وهو محال على الله وكذلك الخوف والإشفاق .

فمنهم من صرفها إلى المخاطبين . قال سيبويه في قوله تعالى : لعله يتذكر أو يخشى ( طه : 44 ) معناه : كونا على رجائكما في ذكرهما ، يعني أنه كلام منظور فيه إلى جانب موسى وهارون عليهما السلام ، لأنهما لم يكونا جازمين بعدم إيمان فرعون .

وأما استعمالهما في الخوف ففي قوله تعالى : لعل الساعة قريب ( الشورى : 17 ) ، فإن الساعة مخوفة في حق المؤمنين بدليل قوله : والذين آمنوا مشفقون منها [ ص: 337 ] ( الشورى : 18 ) . وفي هذا رد على الزمخشري ، حيث أنكر أن تكون هذه الآية من هذا القبيل .

فإن قلت : ما معنى قولهم : لعل من الله واجبة ؟ هل ذلك من شأن المحبوب أو مطلقا ؟ وإذا كانت في المحبوب فهل ذلك إخراج لها عن وضع الترجي إلى وضع الخبر فيكون مجازا أم لا ؟ .

قلت : ليس إخراجا لها عن وضعها ، وذلك أنهم لما رأوها من الكريم للمخاطبين في ذلك المحبوب تعريض بالوعد ، وقد علم أن الكريم لا يعرض بأن يفعل إلا بعد التصميم عليه ، فجرى الخطاب الإلهي مجرى خطاب عظماء الملوك من الخلق . وقوله : ياأيها الناس اعبدوا ربكم . . . الآية إلى : تتقون ( البقرة : 21 ) إطماع المؤمن بأن يبلغ بإيمانه درجة التقوى العالية ؛ لأنه بالإيمان يفتتحها وبالإيمان يختتمها ، ومن ثم قال مالك وأبو حنيفة : الشرع ملزم .

وقد قال الزمخشري : وقد جاءت على سبيل الإطماع في مواضع من القرآن ، لكنه كريم رحيم إذا أطمع فعل ما يطمع لا محالة ، فجرى إطماعه مجرى وعده ، فلهذا قيل : إنها من الله واجبة .

وهذا فيه رائحة الاعتزال في الإيجاب العقلي ، وإنما يحسن الإطماع دون التحقيق ، كيلا يتكل العباد كقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ( التحريم : 8 ) .

[ ص: 338 ] وقال الراغب : " لعل " طمع وإشفاق . وذكر بعض المفسرين أن لعل من الله واجبة ، وفسر في كثير من المواضع بكي وقالوا : إن الطمع والإشفاق لا يصح على الله تعالى . قال : ولعل - وإن كان طمعا - فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب ، وتارة طمع المخاطب ، وتارة طمع غيرهما ، فقوله تعالى : لعلنا نتبع السحرة ( الشعراء : 40 ) ، فذلك طمع منهم في فرعون .

وفي قوله : لعله يتذكر أو يخشى ( طه : 44 ) إطماع موسى وهارون ، ومعناه : قولا له قولا لينا راجين أن يتذكر أو يخشى . وقوله : فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ( هود : 12 ) ، أي تظن بك الناس . وعليه قوله تعالى : لعلك باخع نفسك ( الشعراء : 3 ) وقوله : واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( الأنفال : 45 ) أي راجين الفلاح كما قال : ويرجون رحمته ( الإسراء : 57 ) .

وزعم بعضهم بأنها لا تكون للترجي إلا في الممكن لأنه انتطار ، ولا ينتظر إلا في ممكن ، فأما قوله تعالى : لعلي أبلغ الأسباب ( غافر : 36 ) الآية ، فاطلاع فرعون إلى الإله مستحيل ، وبجهله اعتقد إمكانه ؛ لأنه يعتقد في الإله الجسمية والمكان ، تعالى الله عن ذلك .

الثاني للتعليل كقوله تعالى : فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ( الأنعام : 155 ) . وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون ( النحل : 15 ) أي كي . وجعل منه ثعلب : لعله يتذكر ( طه : 44 ) أي كي ، حكاه عنه صاحب المحكم .

الثالث : الاستفهام ، كقوله تعالى : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ( الطلاق : 1 ) وما يدريك لعله يزكى ( عبس : 3 ) .

[ ص: 339 ] وحكى البغوي في تفسيره عن الواحدي أن جميع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل ، إلا قوله تعالى : لعلكم تخلدون ( الشعراء : 129 ) فإنها للتشبيه . وكونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة ، ووقع في صحيح البخاري في قوله : لعلكم تخلدون أن لعل للتشبيه . وذكر غيره أنها للرجاء المحض ، وهو بالنسبة إليهم .

واعلم أن الترجي والتمني من باب الإنشاء كيف يتعلقان بالماضي . وقد وقع خبر ليت ماضيا في قوله تعالى : ياليتني مت قبل هذا ( مريم : 23 ) . وممن نص على منع وقوع الماضي خبرا للعل الرماني .

التالي السابق


الخدمات العلمية