الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
40 - عسى

للترجي في المحبوب ،
والإشفاق في المكروه ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ( البقرة : 216 ) .

قال ابن فارس : وتأتي للقرب والدنو كقوله تعالى : قل عسى أن يكون ردف لكم ( النمل : 72 ) قال : وقال الكسائي : كل ما في القرآن من عسى على وجه الخبر [ ص: 252 ] فهو موحد ، نحو : عسى أن يكونوا خيرا منهم ( الحجرات : 11 ) وعسى أن تكرهوا شيئا ( البقرة : 216 ) ووحد على " عسى الأمر أن يكون كذا " . وما كان على الاستفهام فهو يجمع كقوله تعالى : فهل عسيتم إن توليتم ( محمد : 22 ) . قال أبو عبيدة : معناه هل عدوتم ذلك ؟ هل جزتموه ؟

وروى البيهقي في سننه عن ابن عباس ، قال : كل " عسى " في القرآن فهي واجبة وقال الشافعي : رضي الله عنه : يقال : عسى من الله واجبة .

وحكى ابن الأنباري عن بعض المفسرين أن " عسى " في جميع القرآن واجبة ، إلا في موضعين في سورة بني إسرائيل . عسى ربكم أن يرحمكم ( الإسراء : 8 ) يعني بني النضير ، فما رحمهم الله بل قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوقع عليهم العقوبة .

وفي سورة التحريم : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ( التحريم : 5 ) ولازمنه حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وعمم بعضهم القاعدة ، وأبطل الاستثناء ، لأن تقديره أن يكون على شرط ، أي في وقت من الأوقات ، فلما زال الشرط وانقضى الوقت ، وجب عليكم العذاب ، فعلى هذا لم تخرج عن بابها الذي هو الإيجاب .

وكذلك قوله : عسى ربه إن طلقكن ( التحريم : 5 ) تقديره : واجب أن يبدله أزواجا خيرا منكن ، أي لبت طلاقكن ، ولم يبت طلاقهن ، فلا يجب التبديل .

وقال صاحب الكشاف في سورة التحريم : عسى ربكم ( التحريم : 8 ) : [ ص: 253 ] إطماع من الله تعالى لعباده ، وفيه وجهان : أحدهما أن يكون على ما جرت به عادة الجبابرة من الإجابة بـ " لعل " وعسى ، ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت . والثاني أن تجيء تعليما للعباد وجوب الترجيح بين الخوف والرجاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية