الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
رأى

إن كانت بصرية تعدت لواحد ، أو علمية تعدت لاثنين ،
وحيث وقع بعد البصرية منصوبا كان الأول مفعولها ، والثاني حالا . ومما يحتمل الأمرين قوله تعالى : ( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ) ( الحج : 2 ) فإن كانت بصرية كان الناس مفعولا ، وسكارى حالا ، وإن كانت علمية فهما مفعولاها .

وكذلك قوله تعالى : ( وترى كل أمة جاثية ) ( الجاثية : 28 ) . وقوله تعالى : ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) ( الزمر : 60 ) ، فهذه الجملة أعني قوله : ( وجوههم مسودة ) ( الزمر : 60 ) في موضع نصب ، إما على الحال إن كانت بصرية ، أو مفعول ثان إن كانت قلبية .

واعلم أنه قد وقع في القرآن ( ألم يروا كم أهلكنا ) ( الأنعام : 6 ) في بعض المواضع بغير واو كما في الأنعام ، وفي بعضها بالواو ، وفي بعضها بالفاء ( أفلم يروا ) ( سبأ : 9 ) . وهذه الكلمة تأتي على وجهين .

- ( أحدهما ) : أن تتصل بما كان الاعتبار فيه بالمشاهدة ، فيذكر بالألف والواو ، ولتدل الألف على الاستفهام ، والواو على عطف جملة على جملة قبلها ، وكذلك الفاء لكنها أشد اتصالا مما قبلها .

[ ص: 133 ] - ( والثاني ) : أن يتصل بما الاعتبار فيه بالاستدلال ، فاقتصر على الألف دون الواو والفاء ليجري مجرى الاستئناف .

ولا ينتقض هذا الأصل بقوله في سورة النحل : ( ألم يروا إلى الطير ) ( الآية : 79 ) لاتصالها بقوله : ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ) ( النحل : 78 ) وسبيلها الاعتبار بالاستدلال فبني عليه ( ألم يروا إلى الطير )

وأما " أرأيت " فبمعنى " أخبرني " ، ولا يذكر بعدها إلا الشرط ، وبعده الاستفهام ، على التقديم والتأخير كقوله تعالى : ( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم ) ( الأنعام : 46 ) الآية ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا ) ( الملك : 30 ) . وقوله تعالى : ( أرأيت الذي يكذب بالدين ) ( الماعون : 1 ) .

وأما " رأيت " الواقعة في كلام الفقهاء ، فهي كذلك قال ابن خروف : إلا أنهم يلجئون فيها ، وجوابها أرأيت إن كان كذا وكذا ؟ كيف يكون كذا بمعنى عدم الشرط . ثم الاستفهام بعده على نمط الآيات الشريفة ، وهي معلقة عن العمل بما بعدها من الآيات الكريمة ، وكذلك الرؤية كيف تصرفت .

وأما قوله تعالى : ( ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ) ( الفرقان : 45 ) فدخلها معنى التعجب كأنه قيل : ألم تعجب إلى كذا ! فتعدت بإلى كأنه : ألم تنظر ، ودخلت إلى بمعنى التعجب ، وعلق الفعل على جملة الاستفهام ، وليست ببدل من الرب تعالى ، لأن الحرف لا يعلق .

وأما " أرأيتك " فقد وقعت هذه اللفظة في سورة الأنعام في موضعين وغيرها ، [ ص: 134 ] وليس لها في العربية نظير ; لأنه جمع فيها بين علامتي خطاب ، وهما التاء والكاف ، والتاء اسم بخلاف الكاف فإنها عند البصريين حرف يفيد الخطاب ، والجمع بينهما يدل على أن ذلك تنبيها على مبناها عليه من مرتبة ، وهو ذكر الاستبعاد بالهلاك ، وليس فيما سواها ما يدل على ذلك ، فاكتفى بخطاب واحد .

قال أبو جعفر بن الزبير : الإتيان بأداة الخطاب بعد الضمير المفيد لذلك تأكيد باستحكام غفلته كما تحرك النائم باليد ، والمفرط الغفلة باليد واللسان ، ولهذا حذفت الكاف في آية يونس ، لأنه لم يتقدم قبلها ذكر صمم ولا بكم يوجب تأكيد الخطاب ، وقد تقدم قبلها قوله : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ) ( يونس : 31 ) إلى ما بعدهن ، فحصل تحريكهم وتنبيههم بما لم يبق بعده إلا التذكير بعذابهم . انتهى .

وقال ابن فارس في قوله تعالى : ( أرأيتك هذا الذي كرمت علي ) ( الإسراء : 62 ) قال البصريون : هذه الكاف لو كانت اسما استحال أن تعدى " أرأيت " إلا إلى مفعولين ، والثاني هو الأول ، يريد قولهم : " أرأيت زيدا قائما " لا تعدى " أرأيت " إلا إلى مفعول هو " زيد " ومفعول آخر هو " قائم " ، فالأول هو الثاني .

وقال غيره : من جعل الأداة المؤكد بها الخطاب في " أرأيتكم " ضميرا لم يلزمه اعتراض بتعدي فعل الضمير المتصل إلى مضمره المتصل ، لأن ذلك جائز في " الأفعال المذكورة والآيات المذكورة " ، باب الظن ، وفي فعلين من غير باب " ظننت " ، وهما " فقدت " و " عدمت " ، وكذلك تعدي فعل الظاهر إلى مضمره المتصل جائز في الأفعال [ ص: 135 ] المذكورة والآيات المذكورة من باب الظن ; لأن المراد بـ " رأيت " رؤية القلب فهي من المستثنى ، وإنما الممتنع مطلقا تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره ، فلا اختلاف في منع هذا من كل الأفعال .

وأما من جرد أداة الخطاب المؤكد بها للحرفية ، وهو قول الجمهور فلا كلام في ذلك .

وقد اختلف في موضع الكاف من هذا اللفظ على أقوال . قال سيبويه : لا موضع لها . وقال الكسائي : موضعها نصب . وقال الفراء : رفع . ثم قال الكسائي : لم يرد أن يرفع الرجل فعله على نصبه ، وقال الفراء : لم يقصد بالفعل قصد واحد معروف ولو قصد واحد لعينه لما قال " أرأيتك " وفتح الفاء للآتي ، ولكنه فعل ترك فيه اسم الفاعل ، وجعلت الكاف فيه خلفا .

إذا علمت هذا فلها موضعان :

( أحدهما ) : أن تكون بمعنى أخبرني فلا تقع إلا على اسم مفرد ، أو جملة شرط كقوله تعالى : ( أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم ) ( الأنعام : 46 ) الآية ، ولا يقع الشرط إلا ماضيا ، لأن ما بعده ليس بجواب له ، وإنما هو معلق بـ " أرأيتك " ، وجواب الشرط إما محذوف للعلم به ، وإما للاستفهام مع عامله ، معني عنه . وإذا ثني هذا أو جمع لحقت بالتثنية والجمع الكاف ، وكانت التاء مفردة بكل حال .

قال السيرافي : يجوز أن يكون إفرادهم للتاء استغناء بتثنية الكاف وجمعها ، لأنها [ ص: 136 ] للخطاب ، وإنما فعلوا ذلك للفرق بين أرأيت بمعنى أخبرني ، وغيرها إذا كانت بمعنى علمت .

( والثاني ) تكون فيه بمعنى انتبه كقولك : أرأيت زيدا فإني أحبه ، أي انتبه له ، فإني أحبه ولا يلزمه الاستفهام .

وقد يحذف الكلام الذي هو جواب للعلم به فلا يذكر ، كقوله تعالى : ( ياقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله ) ( هود : 88 ) فلم يأت بجواب .

وأتى في موضع آخر بالجواب ، ولم يأت بالشرط ، قال تعالى : ( أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله ) ( الجاثية : 23 ) فـ " من " الأول بمنزلة " الذي " .

التالي السابق


الخدمات العلمية