15 -
ترد لمعان : إلا
الأول : الاستثناء وينقسم إلى متصل ، وهو ما كان المستثنى من جنس المستثنى منه ، نحو : جاء القوم إلا زيدا ، وإلى منقطع ، وهو ما كان من غير جنسه .
وتقدر بـ " لكن " كقوله : لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر ( الغاشية : 22 - 23 ) . وقوله : قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء ( الفرقان : 57 ) . وقوله : إلا الذين آمنوا ( الآية : 25 ) في سورة الانشقاق . وقوله : إلا من تولى وكفر ( الآية : 23 ) في آخر الغاشية .
وكذلك : إلا من ارتضى من رسول ( الجن : 27 ) ودخول الفاء في : فإنه يسلك دليل انقطاعه ، ولو كان متصلا لتم الكلام عند قوله : رسول .
وقوله : إلا تذكرة لمن يخشى ( طه : 3 ) ويجوز أن تكون تذكرة بدلا من لتشقى ( طه : 2 ) وهو منصوب بأنزلنا تقديره : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة . كقولك : ما فعلت ذلك إلا هاتيك إلا إكراما لك
وقوله : وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ( الليل : 19 - 20 ) فابتغاء وجه ربه ليس من جنس النعم التي تجزى .
وقوله : الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ( الحج : 40 ) . فقولهم : ربنا الله ليس بحق يوجب إخراجهم . وقوله : [ ص: 210 ] لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر ( النساء : 95 ) أي لكن أولي الضرر ، لا حرج عليهم في قعودهم ، وإنما كان منقطعا لأن القاعد عن ضرر - وإن كانت له نية الجهاد - ليس مستويا في الأجر مع المجاهد ، لأن الأجر على حسب العمل ، والمجاهد يعمل ببدنه وقلبه ، والقاعد بقلبه .
وقوله : فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس ( يونس : 98 ) إذ لو كان متصلا لكان المعنى : فهل آمنت قرية إلا قوم يونس فلا يؤمنون ! فيكون طلب الإيمان من خلاف قوم يونس ، وذلك باطل ، لأن الله تعالى يطلب من كل شخص الإيمان ، فدل على أن المعنى : لكن قوم يونس .
وقال يمكن اتصاله لأن قوله : فلولا في المعنى نفي ، فإن الخطاب لما يقع منه الإيمان ، وذلك إذا كان الكلام نفيا ، كان ما بعد " إلا " يوجب إنكاره . قال : ما من قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا الزجاج : قوم يونس . وقد رد عليه بأن جعل " إلا " منقطعة عما قبلها لغة فصيحة ، وإن كان جعلها متصلة أكثر ، وحمل الكلام على المعنى ليس بقياس . الآمدي
ومنه قوله تعالى : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ( هود : 43 ) فإن ( من رحم ) بمعنى المرحوم ، ليس من جنس العاصمين ، وإنما هو معصوم فدل على أنها بمعنى لكن . فإن قيل : يمكن اتصاله على أن من رحم بمعنى الراحم أي الذي يرحم فيكون الثاني من جنس الأول .
قيل حمل هذه القراءة على القراءة الأخرى أعني قراءة رحم بضم الراء حتى يتفق معنى القراءتين .
[ ص: 211 ] ( الثاني ) بمعنى " بل " كقوله تعالى : طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة ( طه : 1 إلى 3 ) أي بل تذكرة .
( الثالث ) عاطفة بمعنى الواو في التشريك ، كقوله تعالى : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا ( البقرة : 150 ) معناه : ولا الذين ظلموا .
وقوله تعالى : إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ( النمل : 10 - 11 ) أي ومن ظلم . تأولها الجمهور على الاستثناء المنقطع .
( الرابع ) بمعنى " غير " إذا كانت صفة ، ويعرب الاسم بعد " إلا " إعراب " غير " كقوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء : 22 ) وليست هنا للاستثناء . وإلا لكان التقدير : لو كان فيهما آلهة ليس فيهم الله لفسدتا وهو باطل . ومثله ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ( النور : 6 ) فلو كان استثناء لكان من غير الجنس لأن أنفسهم ليس شهودا على الزنا ، لأن الشهداء على الزنا يعتبر فيهم العدد ، ولا يسقط الزنا المشهود به بيمين المشهود عليه . قوله تعالى :
وإذا جعل وصفا فقد أمن فيه مخالفة الجنس فـ " إلا " هي بمنزلة " غير " لا بمعنى الاستثناء ، لأن الاستثناء إما من جنس المستثنى منه ، أو من غير جنسه ، ومن توهم في صفة الله واحدا من الأمرين فقد أبطل .
قال الشيخ : هذا توهم منه ، وخاطر خطر من غير أصل ، ويلزم عليه أن تكون " إلا " في قوله تعالى : عبد القاهر الجرجاني فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ( الشعراء : 77 ) وقوله : ضل من تدعون إلا إياه ( الإسراء : 67 ) استثناء وأن تكون بمنزلة " غير " ، وذلك لا يقوله أحد ، لأن إلا إذا كانت صفة كان إعراب الاسم الواقع بعدها إعراب الموصوف بها ، وكان تابعا له في الرفع والنصب والجر .
[ ص: 212 ] قال : والاسم بعد " إلا " في الآيتين منصوب كما ترى ، وليس قبل " إلا " في واحد منهما منصوب بإلا .
واعلم أنه يوصف بما بعد " إلا " سواء كان استثناء منقطعا أو متصلا ، قال المبرد والجرمي في قوله تعالى : إلا قليلا ممن أنجينا منهم ( هود : 116 ) لو قرئ بالرفع " قليل " على الصفة لكان حسنا والاستثناء منقطع .
( الخامس ) بمعنى " بدل " ، وجعل ابن الضائع منه قوله تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( الأنبياء : 22 ) أي بدل الله أي عوض الله ، وبه يخرج على الإشكال المشهور في الاستثناء وفي الوصف بـ " إلا " من جهة المفهوم .
بقي أن يقال : إن ابن مالك جعلها في الآية صفة ، وأنها للتأكيد لا للتخصيص ؛ لأنه لو قيل : لو كان فيهما آلهة فسدتا ، لصح لأن الفساد مرتب على تعدد الآلهة .
فيقال : ما فائدة الوصف المقتضى هاهنا للتأكيد ؟ وجوابه : أن آلهة تدل على الجنس ، أو على الجمع ، فلو اقتصر عليه لتوهم أن الفساد مرتب على الجنس من حيث هو ، فأتى بقوله : إلا الله ليدل على أن الفساد مرتب على التعدد . وهذا نظير قولهم في إلهين اثنين ( النحل : 51 ) أن الوصف هنا مخصص لا مؤكد ، لأن إلهين اثنين [ ص: 213 ] يدل على الجنسية وعلى التثنية ، فلو اقتصر عليه لم يفهم النهي عن أحدهما ، فأتى باثنين ليدل على أن النهي عن الاثنين على ما سبق .
( السادس ) للحصر إذا تقدمها نفي .
إما صريح كقوله تعالى : وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ( الحجر : 11 ) . أو مقدر كقوله تعالى : وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ( البقرة : 45 ) فإن " ، أي فإنها لا تسهل ، وهو معنى " كبيرة " ، وإما لأن الكلام صادق معها ، أي وإنها لكبيرة على كل أحد إلا على الخاشعين ، بخلاف ( ضربت إلا زيدا ) ، فإنه لا يصدق . إلا " ما دخلت بعد لفظ الإيجاب إلا لتأويل ما سبق إلا بالنفي
( السابع ) مركبة من " إن " الشرطية ، و " لا " النافية ، ووقعت في عدة مواقع من القرآن نحو : إلا تنصروه فقد نصره الله ( التوبة : 40 ) . إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض ( الأنفال : 73 ) . إلا تنفروا يعذبكم ( التوبة : 39 ) . وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ( هود : 47 ) . وإلا تصرف عني كيدهن ( يوسف : 33 ) .
ولأجل الشبه الصوري غلط بعضهم فقال في : إلا تفعلوه ، أن الاستثناء منقطع أو متصل . وعجبت من ابن مالك في شرح التسهيل ، حيث عدها في أقسام ( إلا ) ، لكنه في شرح الكافية قال في باب الاستثناء : لا حاجة للاحتراز عنها .