67 - لكن
للاستدراك مخففة ومثقلة ، وحقيقته رفع مفهوم الكلام السابق ، تقول : ما زيد شجاعا ولكنه كريم ، فرفعت بلكن ما أفهمه الوصف بالشجاعة من ثبوت الكرم له لكونهما [ ص: 334 ] كالمتضايفين ، فإن رفعنا ما أفاده منطوق الكلام السابق فذاك استثناء ، وموقع الاستدراك بين متنافيين بوجه ما ، فلا يجوز وقوعها بين متوافقين ، وقوله تعالى : ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم ( الأنفال : 43 ) لكونه جاء في سياق لو ، ولو تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره ، فدل على أن الرؤية ممتنعة في المعنى ، فلما قيل : ولكن الله سلم علم إثبات ما فهم إثباته أولا وهو سبب التسليم ، وهو نفي الرؤية ، فعلم أن المعنى ، ولكن الله ما أراكهم كثيرا ليسلمكم فحذف السبب وأقيم المسبب مقامه .
قال : الفرق بين بل ولكن ، وإن اتفقا في أن الحكم للثاني ، أن " لكن " وضعها على مخالفة ما بعدهما لما قبلهما ، ولا يستقيم تقديره إلا مثبتا لامتناع تقدير النفي في المفرد ، وإذا كان مثبتا وجب أن يكون ما قبله نفيا ، كقولك : ما جاءني زيد لكن عمرو ، ولو قلت : جاءني زيد لكن عمرو ، لم يجز لما ذكرنا . وأما بل فللإضراب مطلقا ، موجبا كان الأول أو منفيا . ابن الحاجب
وإذا ثقلت فهي من أخوات إن تنصب الاسم وترفع الخبر ، ولا يليها الفعل .
وأما وقوع المرفوع بعدها في قوله تعالى : لكنا هو الله ربي ( الكهف : 38 ) وهو ضمير الرفع فجوابه أنها هنا ليست المثقلة بل هي المخففة ، والتقدير لكن أنا هو الله ربي ، ولهذا تكتب في المصاحف بالألف ، ويوقف عليها بها ، إلا أنهم ألقوا حركة الهمزة على النون ، فالتقت النونان فأدغمت الأولى في الثانية ، وموضع " أنا " رفع [ ص: 335 ] بالابتداء ، وهو مبتدأ ثان ، والله مبتدأ ثالث ، وربي خبر المبتدأالثالث ، والمبتدأ الثالث وخبره خبر الثاني ، والثاني هو خبر الأول ، والراجع إلى الأول الياء .
ثم المخففة قد تكون مخففة من الثقيلة فهي عاملة ، وقد تكون غير عاملة فيقع بعدها المفرد ، نحو ما قام زيد لكن عمرو ، فتكون عاطفة على الصحيح ، وإن وقع بعدها جملة كانت حرف ابتداء .
وقال صاحب البسيط : إذا وقع بعدها جملة فهل هي للعطف أو حرف ابتداء . قولان ، كقوله تعالى : لكن الله يشهد ( النساء : 166 ) . قال : ونظير فائدة الخلاف في جواز الوقف على ما قبلها ، فعلى العطف لا يجوز ، وعلى كونها حرف ابتداء يجوز . قال : وإذا دخل عليها الواو انتقل العطف إليها وتجردت للاستدراك .
وقال : المختار عند العرب تشديد النون إذا اقترنت بالواو ، وتخفيفها إذا لم تقترن بها ، وعلى هذا جاء أكثر القرآن العزيز ، كقوله تعالى : الكسائي ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( الأنعام : 33 ) ولكن أكثرهم لا يعلمون ( الأعراف : 131 ) لكن الله يشهد ( النساء : 166 ) لكن الرسول والذين آمنوا ( التوبة : 88 ) .
لكن الذين اتقوا ( آل عمران : 198 ) . لكن الظالمون اليوم ( مريم : 38 ) . وعلل الفراء ذلك بأنها مخففة تكون عاطفة فلا تحتاج إلى واو معها كـ " بل " ، فإذا كان قبلها واو لم تشبه بل ؛ لأن بل لا تدخل عليها الواو ، وأما إذا كانت مشددة فإنها تعمل عمل إن ولا تكون عاطفة .
[ ص: 336 ] وقد اختلف القراء في ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله ( الأحزاب : 40 ) فأكثرهم على تخفيفها ونصب " رسول الله " بإضمار كان أو بالعطف على أبا أحد . والأول أليق ، لكن ليست عاطفة لأجل الواو ، فالأليق لها أن تدخل على الجمل كـ " بل " العاطفة . وقرأ أبو عمرو بتشديدها على أنها عاملة ، وحذف خبرها ، أي ولكن رسول الله هو أي محمد .