وأما فستة : الحرفية
الأول : النافية ، ولها صدر الكلام . وقد تدخل على الأسماء والأفعال ، ففي الأسماء كليس ترفع وتنصب في لغة أهل الحجاز ، ووقع في القرآن في ثلاث مواضع . قال تعالى : ما هذا بشرا ( يوسف : 31 ) . وقوله تعالى : ما هن أمهاتهم ( المجادلة : 2 ) على قراءة كسر التاء . وقوله : فما منكم من أحد عنه حاجزين ( الحاقة : 47 ) . وعلى الأفعال فلا تعمل ، وتدخل على الماضي بمعنى " لم " نحو : ما خرج ، أي لم يخرج . وقوله تعالى : فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ( البقرة : 16 ) .
وعلى المضارع لنفي الحال ، بمعنى لا ، نحو ما يخرج زيد ، أي لا يخرج ، نفيت أن يكون منه خروج في الحال .
[ ص: 348 ] ومنهم من يسميه جحدا ، وأنكره بعضهم . وسبق الفرق بين الجحد والنفي في الكلام على قاعدة المنفي .
وقال : هي لنفي الحال في اللغتين الحجازية والتميمية ، نحو : ما زيد منطلقا ومنطلق ، ولهذا جعلها ابن الحاجب في النفي جوابا لـ " قد " في الإثبات ، ولا ريب أن " قد " للتقريب من الحال ، فلذلك جعل جوابا لها في النفي . سيبويه
قال : ويجوز أن تستعمل للنفي في الماضي والمستقبل عند قيام القرائن ، قال تعالى حكاية عن الكفار : وما نحن بمنشرين ( الدخان : 35 ) وما نحن بمبعوثين ( الأنعام : 29 ) .
وفي الماضي ، نحو : ما جاءنا من بشير ولا نذير ( المائدة : 19 ) فإنه ورد للتعليل على معنى كراهة أن يقولوا عند إقامة الحجة عليهم : ما جاءنا في الدنيا من بشير ولا نذير ، وهذا للماضي المحقق ، وأمثال ذلك كثير .
قال : ثم إن جعل فيها معنى التوكيد ، لأنها جرت موضع " قد " في النفي ، فكما أن " قد " فيها معنى التأكيد ، فكذلك ما جعل جوابا لها . سيبويه
وهنا ضابط ، وهو إذا ما أتت بعدها " إلا " في القرآن ، فهي من نفي إلا في ثلاثة عشر موضعا .
أولها : في البقرة قوله تعالى : مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ( الآية : 229 ) .
الثاني : فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون ( البقرة : 237 ) .
الثالث : في النساء قوله : لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين ( الآية : 19 ) .
الرابع : ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ( النساء : 22 ) .
الخامس : في المائدة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ( الآية : 3 ) .
[ ص: 349 ] السادس : في الأنعام ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا ( الآية : 8 ) .
السابع : وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ( الأنعام : 119 ) .
الثامن والتاسع : في هود ما دامت السماوات والأرض إلا ( الآية : 107 - 108 ) في موضعين ، أحدهما في ذكر أهل النار ، والثاني في ذكر أهل الجنة .
العاشر والحادي عشر : في يوسف فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا ( الآية : 47 ) وفيها ما قدمتم لهن إلا ( الآية : 48 ) .
الثاني عشر : في الكهف وما يعبدون إلا الله ( الآية : 16 ) على خلاف فيها .
الثالث عشر : وما بينهما إلا بالحق ( الحجر : 85 ) حيث كان .
والثاني : . المصدرية وهي قسمان : وقتية وغير وقتية
فالوقتية هي التي تقدر بمصدر نائب عن ظرف الزمان ، كقوله تعالى : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ( هود : 107 ) وقوله : إلا ما دمت عليه قائما ( آل عمران : 75 ) و ما دمتم حرما ( المائدة : 96 ) أي مدة دوام السماوات والأرض ، ووقت دوام قيامكم وإحرامكم ، وتسمى ظرفية أيضا .
وغير الوقتية هي التي تقدر مع الفعل ، نحو بلغني ما صنعت ، أي صنعك ، قال تعالى : وبما كانوا يكذبون ( التوبة : 77 ) أي بتكذيبهم ، أو بكذبهم على القرآن .
وقوله : ضاقت عليهم الأرض بما رحبت ( التوبة : 118 ) وقوله : كما آمن الناس ( البقرة : 13 ) و كما أرسلنا فيكم رسولا ( البقرة : 151 ) و بئسما اشتروا ( البقرة : 90 ) أي كإيمان الناس ، وكإرسال الرسل ، وبئس اشتراؤهم . وكلما أتت بعد كاف التشبيه أو بئس فهي مصدرية على خلاف فيه .
[ ص: 350 ] وصاحب " الكتاب " يجعلها حرفا ، والأخفش يجعلها اسما ، وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء .
والثالث : الكافة للعامل عن عمله ، وهو [ ما ] يقع بين ناصب ومنصوب ، أو جار ومجرور ، أو رافع ومرفوع .
فالأول : كقوله تعالى : إنما الله إله واحد ( النساء : 171 ) إنما يخشى الله من عباده العلماء ( فاطر : 28 ) إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ( آل عمران : 178 ) .
والثاني : كقوله : ربما رجل أكرمته ، وقوله تعالى : ربما يود الذين كفروا ( الحجر : 2 ) .
والثالث : كقولك : قلما تقولين ، وطالما تشتكين .
والرابع : المسلطة وهي التي تجعل اللفظ [ متسلطا بالعمل ] بعد أن لم يكن عاملا ، نحو ما في إذما وحيثما ، [ لأنك تقول : إذما أفعل وحيثما أفعل ، فإذ وحيث ] لا يعملان بمجردهما في الشرط ، ويعملان عند دخولها عليهما .
والخامس : أن تكون مغيرة للحرف عن حاله ، كقوله في " لو " لوما ، غيرتها إلى معنى " هلا " ، قال تعالى : لو ما تأتينا ( الحجر : 7 ) .
[ ص: 351 ] والسادس : المؤكد للفظ ويسميه [ بعضهم صلة ] ، وبعضهم زائدة ، والأول أولى ؛ لأنه ليس في القرآن حرف إلا وله معنى . ويتصل بها الاسم والفعل وتقع أبدا حشوا أو آخرا ، ولا تقع ابتداء ، [ لأن الابتداء بها يقتضي العناية بها وهي تنافي زيادتها ] ، وإذا وقعت حشوا فلا تقع إلا بين الشيئين المتلازمين ، وهو مما يؤكد زيادتها لإقحامها بين ما هو كالشيء الواحد .
[ ولا يخلو ذلك من أربعة أحوال : إما أن يقع بين رافع ومرفوع وناصب ومنصوب وجار ومجرور وجازم ومجزوم فالأول . . . . ، ومثال الناصب والمنصوب قوله تعالى ( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ) [ البقرة : 26 ] ومثال الناصب والمنصوب ومثال الجازم والمجزوم ] : أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ( البقرة : 148 ) . أينما تكونوا يدرككم الموت ( النساء : 78 ) ؛ [ فقوله " أين " منصوبة بقوله " يكونوا " وقوله " يكونوا " مجزومة بقوله " أين " وقد وقعت بين الناصب والمنصوب والجازم والمجزوم ] .
وكذا قوله تعالى : فأينما تولوا فثم وجه الله ( البقرة : 115 ) . أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ( الإسراء : 110 ) . [ ومثال الجار والمجرور ] فبما رحمة من الله لنت لهم ( آل عمران : 159 ) . فبما نقضهم ميثاقهم ( النساء : 155 ) . عما قليل ( المؤمنون : 40 ) . أيما الأجلين قضيت ( القصص : 28 ) . مما خطيئاتهم ( نوح : 25 ) .
[ فإن قلت : هلا جعلت نكرة غير موصوفة ويكون ذلك أولى من زيادتها ، ويكون " نقضهم " بدلا ، قلت : عدلوا عنه لقلة مجيئها نكرة غير موصوفة ] . وجعل منه في باب الحروف الخمسة قوله تعالى : ( سيبويه إن كل نفس لما عليها حافظ ) ( الطارق : 4 ) قال : إنما هي لعليها فجعلها زائدة .
[ ص: 352 ] وأجاز الفارسي زيادة اللام ، والمعنى : إن كل نفس ما عليها حافظ .
ثم قال : وقال تعالى : ( سيبويه وإن كل لما جميع لدينا محضرون ) ( يس : 32 ) إنما هو لجميع و " ما " لغو .
قال الصفار : والذي دعاه إلى أن يجعلها لغوا ولم يجعلها موصولا ، لأن بعدها مفردا ، فيكون من باب : تماما على الذي أحسن ( الأنعام : 154 ) . فإن قيل : فهلا جعلها في لما عليها حافظ موصولة لأن بعدها الظرف ؟ قلنا : منع من ذلك وقوع " ما " على آحاد من يعقل ، ألا ترى كل نفس ! وهذا يمنع في الآيتين من الصلة . انتهى ، وكان ينبغي أن يتجنب عبارة اللغو .