للمصاحبة بين أمرين لا يقع بينهما مصاحبة واشتراك إلا في حكم يجمع بينهما ، ولذلك [ ص: 366 ] لا تكون الواو التي بمعنى مع إلا بعد فعل لفظا أو تقديرا ، لتصح المعية . وكمال معنى المعية الاجتماع في الأمر الذي به الاشتراك ، في زمان ذلك الاشتراك ، وتستعمل أيضا لمجرد الأمر الذي به الاشتراك دون زمانه .
فالأول يكثر في أفعال الجوارح والعلاج ، نحو : دخلت مع زيد ، وانطلقت مع عمرو ، وقمنا معا ومنه قوله تعالى : ودخل معه السجن فتيان ( يوسف : 36 ) أرسله معنا غدا ( يوسف : 12 ) فأرسل معنا أخانا ( يوسف : 63 ) لن أرسله معكم ( يوسف : 66 ) .
والثاني يكثر في الأفعال المعنوية ، نحو : آمنت مع المؤمنين وتبت مع التائبين ، وفهمت المسألة مع من فهمها ، ومنه قوله تعالى : يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ( آل عمران : 43 ) . وقوله : وكونوا مع الصادقين ( التوبة : 119 ) وقيل ادخلا النار مع الداخلين ( التحريم : 10 ) . إنني معكما أسمع وأرى ( طه : 46 ) . إن معي ربي سيهدين ( الشعراء : 62 ) . لا تحزن إن الله معنا ( التوبة : 40 ) أي بالعناية والحفظ . يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ( التحريم : 8 ) يعني الذين شاركوه في الإيمان ، وهو الذي وقع فيه الاجتماع والاشتراك من الأحوال والمذاهب .
وقد ذكروا الاحتمالين المذكورين في قوله تعالى : واتبعوا النور الذي أنزل معه ( الأعراف : 157 ) قيل : إنه من باب المعية في الاشتراك ، فتمامه الاجتماع في الزمان على حذف مضاف ، إما أن يكون تقديره أنزل مع نبوته ، وإما أن يكون التقدير مع اتباعه .
وقيل : لأنه فيما وقع به الاشتراك دون الزمان ، وتقديره : واتبعوا معه النور .
[ ص: 367 ] وقد تكون المصاحبة في الاشتراك بين المفعول وبين المضاف ، كقوله : شممت طيبا مع زيد .
ويجوز أن يكون منه قوله تعالى : إنك لن تستطيع معي صبرا ( الكهف : 67 ) نقل ذلك أبو الفتح القشيري في شرح الإلمام ، عن بعضهم ، ثم قال : وقد ورد في الشعر استعمال " مع " في معنى ينبغي أن يتأمل ليلحق بأحد الأقسام ، وهو قوله : يقوم
مع الرمح الرديني قامة ويقصر عنه طول كل نجاد
وقال الراغب : " مع " تقتضي الاجتماع ، إما في المكان نحو : هما معا في الدار ، أو في الزمان نحو : ولدا معا ، أو في المعنى كالمتضايفين ، نحو : الأخ والأب ، فإن أحدهما صار أخا للآخر في حال ما صار الآخر أخاه ، وإما في الشرف والرتبة ، نحو : هما معا في العلو ، وتقتضي معنى النصرة ، والمضاف إليه لفظ " مع " هو المنصور ، نحو قوله تعالى : لا تحزن إن الله معنا ( التوبة : 40 ) . إن الله مع الذين اتقوا ( النحل : 128 ) . وهو معكم أين ما كنتم ( الحديد : 4 ) واعلموا أن الله مع المتقين ( البقرة : 194 ) إن معي ربي سيهدين ( الشعراء : 62 ) انتهى .
وقال ابن مالك : إن معا إذا أفردت تساوي جميعا معنى ، ورد عليه الشيخ أبو حيان بأن بينهما فرقا . قال ثعلب : إذا قلت : قام زيد وعمرو جميعا احتمل أن يكون القيام في وقتين ، وأن يكون في وقت واحد ، وإذا قلت : قام زيد وعمرو معا ، فلا يكون إلا في وقت واحد . والتحقيق ما سبق .
[ ص: 368 ] ويكون بمعنى النصرة والمعونة والحضور ، كقوله : ( إنني معكما ) أي ناصركما ، إن الله مع الذين اتقوا ( النحل : 128 ) أي معينهم . وهو معكم أين ما كنتم ( الحديد : 4 ) ، أي عالم بكم ومشاهدكم ، فكأنه حاضر معهم ، وهو ظرف زمان عند الأكثرين ، إذا قلت : كان زيد مع عمرو ، أي زمن مجيء عمرو ، ثم حذف الزمن والمجيء وقامت ( مع ) مقامهما .