[ ص: 372 ] 80 - . حرف الواو
حرف يكون عاملا وغير عامل . قسمان : جار وناصب . فالعامل
فالجار واو القسم ، نحو : والله ربنا ما كنا مشركين ( الأنعام : 23 ) .
وواو " رب " على قول كوفي ، والصحيح أن الجر بـ " رب " المحذوفة لا بالواو .
والناصب ثنتان : واو " مع " فتنصب المفعول معه عند قوم ، والصحيح أنه منصوب بما قبل الواو من فعل أو شبهه بواسطة الواو .
والواو التي ينتصب المضارع بعدها في موضعين : في الأجوبة الثمانية ، وأن يعطف بها الفعل على المصدر ، على قول كوفي . والصحيح أن الواو فيه عاطفة ، والفعل منصوب بأن مضمرة .
ولها قسم آخر عند الكوفيين ، تسمى واو الصرف ، ومعناها أن الفعل كان يقتضي إعرابا فصرفته الواو عنه إلى النصب ، كقوله تعالى : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ( البقرة : 30 ) على قراءة النصب .
وأما فلها معان : غير العاملة
الأول : وهو أصلها - العاطفة تشرك في الإعراب والحكم . وهي لمطلق الجمع على الصحيح ، ولا تدل على أن الثاني بعد الأول ، بل قد يكون كذلك ، وقد يكون قبله وقد يكون معه ، فمن الأول : إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها ( الزلزلة : 1 - 2 ) فإن الإخراج متأخر عن الزلزال ، وذلك معلوم من قضية الوجود لا من الواو .
ومن الثاني : واسجدي واركعي مع الراكعين ( آل عمران : 43 ) ، والركوع قبل السجود ، ولم ينقل أن شرعهم كان مخالفا لشرعنا في ذلك .
[ ص: 373 ] وقوله تعالى مخبرا عن منكري البعث : ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ( الجاثية : 24 ) . أي نحيا ونموت . وقوله : سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام ( الحاقة : 7 ) ، والأيام هنا قبل الليالي ، إذ لو كانت الليالي قبل الأيام كانت الأيام مساوية لليالي وأقل .
قال الصفار : ولو كان على ظاهره لقال : " سبع ليال وستة أيام " أو " سبعة أيام " وأما ثمانية فلا يصح على جعل الواو للترتيب .
( فائدة ) : وقوله تعالى : ذرني ومن خلقت وحيدا ( المدثر : 11 ) وذرني والمكذبين ( المزمل : 11 ) أجاز أبو البقاء كون الواو عاطفة ، وهو فاسد لأنه يلزم فيه أن يكون الله تعالى أمر نبيه عليه السلام أن يتركه ، وكأنه قال : اتركني واترك من خلقت وحيدا ، وكذلك اتركني واترك المكذبين ، فتعين أن يكون المراد خل بيني وبينهم ، وهو واو " مع " كقولك : لو تركت الناقة وفصيلها لرضعها .
ومن الثالث قوله تعالى : وجمع الشمس والقمر ( القيامة : 9 ) فلا يتصور أن يتقدم أحدهما الآخر .
والثاني واو الاستئناف ، وتسمى واو القطع والابتداء ، وهي التي يكون بعدها جملة غير متعلقة بما قبلها في المعنى ، ولا مشاركة في الإعراب ، ويكون بعدها الجملتان . فالاسمية كقوله تعالى : ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده ( الأنعام : 2 ) .
والفعلية كقوله : لنبين لكم ونقر في الأرحام ( الحج : 5 ) هل تعلم له سميا ويقول الإنسان ( مريم : 65 - 66 ) والظاهر أنها الواو العاطفة ، لكنها تعطف الجمل التي لا محل لها من الإعراب لمجرد الربط ، وإنما سميت واو الاستئناف لئلا يتوهم أن ما بعدها من المفردات معطوف على ما قبلها .
[ ص: 374 ] الثالث : واو الحال الداخلة على الجملة الاسمية وهي عندهم مغنية عن ضمير صاحبها ، كقوله تعالى : ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم ( آل عمران : 154 ) . وقوله : لئن أكله الذئب ونحن عصبة ( يوسف : 14 ) . وقوله : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( الأنفال : 5 ) .
وقد يجتمعان ، نحو : فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ( البقرة : 22 ) . وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ( البقرة : 44 ) .
ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ( البقرة : 187 ) . ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ( البقرة : 243 ) . لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعملون ( آل عمران : 98 ) . ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( آل عمران : 102 ) . ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه ( البقرة : 267 ) . أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء ( الأنعام : 93 ) . أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ( مريم : 20 ) .
الرابع : للإباحة نحو جالس الحسن لأنك أمرت بمجالستهما معا . وتقول أيضا : هذا وائت زيدا ، فهما جميعا أهل المجالسة ، وإن أردت . . . . لم يكن ماضيا . وابن سيرين ،
قال : وعلى هذا أخذ مالك رحمه الله قوله تعالى : إنما الصدقات للفقراء والمساكين ( التوبة : 60 ) الآية . وعلى المعنى الأول أخذ وهو أظهر ، وقول الشافعي مالك يمكن أن عضد بدليل خارج .
[ ص: 275 ] الخامس : واو الثمانية ، والعرب تدخل الواو بعد السبعة إيذانا بتمام العدد ، فإن السبعة عندهم هي العقد التام كالعشرة عندنا فيأتون بحرف العطف الدال على المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ، فتقول : خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، فيزيدون الواو إذا بلغوا الثمانية . حكاه البغوي عن عبد الله بن جابر ، عن أبي بكر بن عبدوس ، ويدل عليه قوله تعالى : سبع ليال وثمانية أيام ( الحاقة : 7 ) .
ونقل عن ابن خالويه وغيره ، ومثلوه بقوله تعالى : وثامنهم كلبهم ( الكهف : 22 ) بعدما ذكر العدد مرتين بغير واو . وقوله تعالى في صفة الجنة : وفتحت أبوابها ( الزمر : 73 ) بالواو لأنها ثمانية ، وقال تعالى في صفة النار : فتحت أبوابها ( الزمر : 71 ) بغير الواو لأنها سبعة ، وفعل ذلك فرقا بينهما . وقوله : والناهون عن المنكر ( التوبة : 112 ) بعد ما ذكر قبلها من الصفات بغير واو .
وقيل : دخلت فيه إعلاما بأن الآمر بالمعروف ناه عن المنكر في حال أمره بالمعروف ، فهما حقيقتان متلازمتان .
وليس قوله : ثيبات وأبكارا ( التحريم : 5 ) من هذا القبيل ، خلافا لبعضهم ; لأن الواو لو أسقطت منه لاستحال المعنى لتناقض الصفتين .
ولم يثبت المحققون واو الثمانية ، وأولوا ما سبق على العطف أو واو الحال ، وإن دخلت في آية الجنة ، لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم ، وحذفت في الأول لأنها كانت مغلقة قبل مجيئهم .
وقيل : زيدت في صفة الجنة علامة لزيادة رحمة الله على غضبه وعقوبته ، وفيها زيادة كلام سبق في مباحث الحذف .
وزعم بعضهم أنها لا تأتي في الصفات إلا إذا تكررت النعوت ، وليس كذلك ، بل [ ص: 376 ] يجوز دخولها من غير تكرار ، قال تعالى : ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ( الكهف : 22 ) وقال : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ( الأنبياء : 48 ) . وتقول : جاءني زيد والعالم .
السادس : الزائدة للتأكيد كقوله تعالى : إلا ولها كتاب معلوم ( الحجر : 4 ) بدليل الآية الأخرى .
قال : دخلت الواو لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف الدالة على أن اتصافه بها أمر ثابت مستقر . الزمخشري
وضابطه أن تدخل على جملة صفة للنكرة ، نحو : جاءني رجل ومعه ثوب آخر ، وكذا وثامنهم كلبهم ( الكهف : 22 ) .
وقال الشيخ جمال الدين بن مالك في باب الاستثناء من شرح التسهيل ، وتابعه الشيخ أثير الدين : إن تفرد بهذا القول ، وليس كذلك فقد ذكر الزمخشري الأزهري في الأزهرية ، فقال : وتأتي الواو للتأكيد نحو : ما رأيت رجلا إلا وعليه ثوب حسن . وفي القرآن منه : وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ( الحجر : 4 ) وقال : وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ( الشعراء : 208 ) . انتهى .
[ ص: 377 ] وأجازه أبو البقاء أيضا في الآية ، وفي قوله تعالى : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ( البقرة : 216 ) فقال : يجوز أن تكون الجملة في موضع نصب صفة لشيء ، وساغ دخول الواو لما كانت صورة الجملة هنا كصورتها إذا كانت حالا . وأجاز أيضا في قوله تعالى : على قرية وهي خاوية ( البقرة : 259 ) فقال : الجملة في موضع جر صفة لقرية .
وأما قوله : فاضرب به ولا تحنث ( ص : 44 ) فقيل : الواو زائدة ، ويحتمل أن يكون مجزوما جواب الأمر ، بتقدير : اضرب به ولا تحنث . ويتحمل أن يكون نهيا . قال ابن فارس : والأول أجود . وكذلك قوله : وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه ( يوسف : 21 ) قيل : الواو زائدة . وقيل : ولنعلمه فعلنا ذلك . كذلك وحفظا من كل شيطان ( الصافات : 7 ) أي وحفظا فعلنا ذلك .
وقيل في قوله : وفتحت أبوابها ( الزمر : 73 ) : إنها زائدة للتأكيد ، والصحيح أنها عاطفة ، وجواب إذا محذوف ، أي سعدوا وأدخلوا .
وقيل : وليعلم فعلنا ذلك ، وكذلك : وحفظا من كل شيطان ( الصافات : 7 ) أي وحفظا فعلنا ذلك .
وقيل في قوله : فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن ياإبراهيم ( الصافات : 103 - 104 ) أي ناديناه . والصحيح أنها عاطفة ، والتقدير : عرف صبره وناديناه : وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ( الأنعام : 75 ) .
[ ص: 378 ] وقوله : ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ( الأنبياء : 48 ) . أي ضياء
وقوله : وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم ( آل عمران : 140 ) أي ليعلم . وقوله : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به ( آل عمران : 91 ) .
وزعم الأخفش أن " إذا " من قوله تعالى : إذا السماء انشقت ( الانشقاق : 1 ) مبتدأ وخبرها إذا في قوله : وإذا الأرض مدت ( الانشقاق : 3 ) والواو زائدة والمعنى أن وقت انشقاق السماء هو وقت مد الأرض وانشقاقها ، واستبعده أبو البقاء لوجهين :
أحدهما أن الخبر محط الفائدة ، ولا فائدة في إعلامنا بأن وقت الانشقاق في وقت المد ، بل الغرض من الآية : عظم الأمر يوم القيامة .
والثاني : بأن زيادة الواو يغلب في القياس والاستعمال .
وقد تحذف كثيرا من الجمل ، كقوله تعالى : ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت ( التوبة : 92 ) ، أي وقلت : والجواب قوله تعالى : تولوا ( التوبة : 92 ) .
وقوله : يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون ( الرعد : 2 ) وفي القول أكثر : قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والأرض ( الشعراء : 23 - 24 ) الآية . وقوله : إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم ( الواقعة : 45 - 46 ) .