الرابعة : إذا ، حنث بكل تمليك في الحياة خال عن العوض ، كالهبة والصدقة والرقبى والعمرى ، لأنها أنواع خاصة من الهبة ، وقيل : لا يحنث بما سوى الهبة . وقيل : يحنث بالرقبى والعمرى دون الصدقة ، حكاه حلف لا يهب المتولي ، ووجهه بأن الهبة والصدقة تختلفان اسما ومقصودا وحكما . أما الاسم ، فلأن من تصدق على فقير لا يقال : وهب له ، وأما المقصود ، فلأن الصدقة للتقرب إلى الله تعالى ، والهبة لاكتساب المودة . وأما الحكم ، فلأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يأكل الصدقة ، ويأكل الهبة والهدية . هذا في صدقة التطوع ، أما إذا أدى الزكاة ، أو صدقة الفطر ، فلا يحنث ، كما لو أدى دينا . وعن القفال ترديد جواب فيه ، والمذهب الأول . ولا يحنث بالإعارة ، إذ لا تمليك فيها ، ولا بالوصية ، لأنها تمليك بعد الموت ، والميت لا يحنث ولا بالضيافة . وقال : يحنث بالوصية . وفي الضيافة وجه حكاه ابن القطان المتولي بناء على أن الضيف يملك ما يأكله ، والصحيح الأول في المسألتين . ولا يحنث بالوقف عليه إن قلنا : الملك فيه للواقف ، أو لله تعالى ، وهو المذهب ، وإن قلنا للموقوف عليه ، حنث . وقيل : فيه خلاف . ولو قال الحالف لرجل : وهبتك كذا فلم يقبل لم يحنث على الصحيح ، لأن العقد لم يتم قال ابن سريج : يحنث ، لأنه [ ص: 51 ] يقال : وهبه كذا ، فلم يقبل ، وخرج على هذا الخلاف فيما إذا أعمره أو أرقبه ، ولم نصحح العقدين . ولو تم الإيجاب والقبول في الهبة ، لكن لم تقبض ، فوجهان ، أصحهما عند المتولي : يحنث لأن الهبة حصلت ، والمتخلف الملك . وعند البغوي : لا يحنث ، لأن مقصود الهبة لم يحصل .
قلت : الأصح لا يحنث ، وصححه آخرون غير البغوي ، منهم الرافعي في " المحرر " . - والله أعلم - .
فرع
، يحنث ، لشمول الاسم ، وسواء تصدق على فقير أو غني . وقال حلف : لا يتصدق ، فتصدق فرضا أو نفلا المتولي : لو دفع إلى ذمي لا يحنث ، لأنه لا قربة فيه ، وهذا ممنوع ، ويحنث بالإعتاق دون الإعارة والضيافة ، وفي الهبة وجهان . أحدهما : يحنث بها كعكسه . وأصحهما ، لا . والصدقة والهبة تتداخلان تداخل العموم والخصوص ، فكل صدقة هبة ، ولا ينعكس . ولو وقف ، فقد أطلق المتولي أنه يحنث ، وقال غيره : يبنى على الأقوال في ملك الوقف لمن هو ؟ إن قلنا : للواقف ، لم يحنث . وإن قلنا : لله تعالى ، حنث ، وإن قلنا : للموقوف عليه ، فوجهان ، كالهبة .
فرع
، دخل في اليمين جميع التبرعات من الهبة والهدية والإعارة والضيافة والوقف وصدقة التطوع ، فيحنث بأيها وجد ولو كان المحلوف عليه عبده ، فأعتقه ، حنث ، وكذا لو كان عليه دين ، فأبرأه ، ولا يحنث بأن يدفع إليه الزكاة . ولو حلف : لا يعتق عبدا فكاتبه ، وعتق بالأداء ، لم يحنث ، ذكره حلف : لا يبر فلانا . ولو حلف : لا يضمن لفلان مالا ، فكفل بدن مديونه ، لم يحنث . ابن القطان