الثالثة : ، وله أن يقول : ليتكلم المدعي منكما ، وأن يقول للمدعي إذا عرفه : تكلم ، ولو خاطبهما بذلك الأمين الواقف على رأسه ، كان أولى ، فإذا ادعى المدعي ، طالب خصمه بالجواب ، وقال : ما تقول ؟ وفيه وجه ضعيف أنه لا يطالبه بالجواب حتى يسأله المدعي ، ثم ينظر في الجواب إن أقر بالمدعى ، إذا جلسا بين يديه ، فله أن يسكت حتى يتكلما ، وحينئذ يحكم ، بأن يقول له : اخرج من حقه ، أو كلفتك الخروج من حقه ، أو ألزمتك ، وما أشبههما . وهل يثبت المدعى بمجرد الإقرار ، أم يفتقر ثبوته إلى قضاء القاضي ؟ وجهان أحدهما : يفتقر كالثبوت بالبينة ، وأصحهما لا ؛ لأن دلالة الإقرار على وجوب الحق جلية ، والبينة تحتاج إلى نظر واجتهاد . هكذا ذكرت المسألة ولا يظهر الخلاف فيها ؛ لأنه إن كان الكلام في ثبوت المدعى به في نفسه ، فمعلوم لأنه لا يتوقف على الإقرار ، فكيف على فللمدعي أن يطلب من القاضي الحكم عليه ؟ وإن كان المراد المطالبة والإلزام ، فلا خلاف أن للمدعي الطلب بعد الإقرار وللقاضي الإلزام ، وإن أنكر المدعى عليه ، فللقاضي أن يسكت ، وله أن يقول للمدعي : ألك بينة ، [ ص: 163 ] وقيل : لا يقول ذلك ؛ لأنه كالتلقين والصحيح الأول ، فإن قال المدعي : لي بينة ، وأقامها ، فذاك ، وإن قال : لا أقيمها ، وأريد يمينه ، مكن منه ، وإن قال : ليس لي بينة حاضرة فحلف القاضي المدعى عليه ثم جاء ببينة سمعت ، وإن قال : لا بينة لي حاضرة ، ولا غائبة ، سمعت أيضا على الأصح ؛ لأنه ربما لم يعرف ، أو نسي ، ثم عرف أو تذكر ، وقيل : لا يسمع للمناقضة إلا أن يذكر لكلامه تأويلا ، ككنت ناسيا أو جاهلا . ولو قال : لا بينة لي ، واقتصر عليه ، فقال الحكم بعد الإقرار البغوي : هو كقوله لا بينة لي حاضرة ، وقيل : كقوله لا حاضرة ولا غائبة ، فيكون فيه الوجهان ، ولو قال : شهودي عبيد أو فسقة ، ثم أتى بعدول ، قبلنا شهادتهم إن مضى زمان يمكن فيه العتق والاستبراء .
فرع
حكى الهروي وجهين في أن الحق يجب بفراغ المدعي من اليمين المردودة ، أم لا بد من حكم الحاكم ، أو أشار إلى بنائهما على أن اليمين المردودة كالبينة أم كالإقرار ؟ .