الرابعة : إذا ، فإن عرف السبق ، قدم الأسبق فالأسبق ، والاعتبار سبق المدعي دون المدعى عليه ، وإن جاءوا معا ، أو جهل السبق ، أقرع ، فإن كثروا وعسر الإقراع ، كتب أسماءهم في رقاع ، وصبت بين يدي القاضي ليأخذها واحدة واحدة ، ويسمع دعوى من خرج اسمه في كل مرة ، ويستحب أن يرتب ثقة يكتب أسماءه يوم قضائه ليعرف ترتيبهم ، ولو قدم الأسبق غيره على نفسه ، جاز ، والمفتي والمدرس يقدمان عند الازدحام أيضا بالسبق أو بالقرعة ، ولو كان الذي يعلمه ليس من فروض الكفاية ، فالاختيار إليه في تقديم من شاء . ازدحم جماعة مدعين
ولا إلا في موضعين ، [ ص: 164 ] أحدهما : إذا كان في المدعين مسافرون مستوفزون وقد شدوا الرحال ليخرجوا ، ولو أخروا لتخلفوا عن رفقتهم ، فإن قلوا ، قدموا على الصحيح ، وإلا فلا ، بل يعتبر السبق بالقرعة . يقدم القاضي مدعيا بشرف ولا غيره
والثاني لو ، قدمهن على الصحيح بشرط أن لا يكثرن . وينبغي أن لا يفرق بين أن يكون المسافر والمرأة مدعيا ، أو مدعى عليه . ثم تقديم المسافر والمرأة ليس بمستحق على الصحيح ، بل هو رخصة لجواز الأخذ به ، وهذا ظاهر نصه في المختصر ومنهم من يشعر كلامه بالاستحقاق . كان في الحاضرين نسوة ، ورأى القاضي تقديمهن لينصرفن
قلت : المختار أنه مستحب لا يقتصر به على الإباحة ، والله أعلم .
ثم لا يخفى أن المراد تقديم المسافر على المقيمين ، والمرأة على الرجال ، فأما المسافرون بعضهم مع بعض ، وكذا النسوة ، فالرجوع فيهم إلى السبق أو القرعة .
فرع
لا يقدم إلا في دعوى واحدة ، لئلا يطول على الباقين ، فإن كان له دعوى أخرى ، فليحضر في مجلس آخر ، أو ينتظر فراغ القاضي من حكومات سائر الحاضرين ، وحينئذ تسمع دعواه الثانية إن لم يضجر القاضي ، ولا فرق بين أن تكون الدعوى الثانية والثالثة على الذي ادعى عليه الدعوى الأولى أو على غيره ، وفيه وجه ضعيف أن الزيادة على الأولى مسموعة إذا اتحد المدعى عليه ، وعلى هذا قال في " الوسيط " : تسمع إلى ثلاث دعاوى ، ومنهم من [ ص: 165 ] أطلق ، ولا خلاف أنه يسمع على المدعى عليه دعوى ثان وثالث ؛ لأن الدعوى للمدعي وقد تعدد ، ونقل المقدم بالسبق أو القرعة هنا وجهين غريبين ضعيفين أحدهما : أن ابن كج ، وإن فرغ القاضي من دعاوى الحاضرين ، وعليهم بعد ذلك ترفيهه . المقدم بدعوى لا تسمع منه الثانية إلا في مجلس آخر
الثاني : لا يسمع على الواحد إلا دعوى شخص واحد . وأما المقدم بالسفر ، فيحتمل أن لا يقدم إلا بدعوى ، ويحتمل أن يقدم بجميع دعاويه ؛ لأن سبب تقديمه أن لا يتخلف عن رفقته ، ويحتمل أن يقال : إذا عرف أن له دعاوى ، فهو كالمقيمين ؛ لأن تقديمه بالجميع يضر غيره ، وتقديمه بدعوى لا يحصل الغرض .
قلت : الأرجح أن دعاويه إن كانت قليلة ، أو ضعيفة بحيث لا يضر بالباقين إضرارا بينا ، قدم بجميعها ، وإلا فيقدم بواحدة ، لأنها مأذون فيها ، وقد يقنع بواحدة ، ويؤخر الباقي إلى أن يخصه ، والله أعلم .