الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
696 - " إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه؛ فصدقوا؛ وإذا سمعتم برجل زال عن خلقه؛ فلا تصدقوا؛ فإنه يصير إلى ما جبل عليه " ؛ (حم)؛ عن أبي الدرداء .

التالي السابق


(إذا سمعتم بجبل زال عن مكانه) ؛ أي: إذا أخبركم مخبر بأن جبلا من جبال الدنيا تحول وانتقل عن محله الذي هو فيه؛ إلى محل آخر؛ (فصدقوا) ؛ يعني: لا تكذبوا؛ فإنه لا يخرج عن دائرة الإمكان؛ (وإذا سمعتم برجل) ؛ التنكير للتعظيم؛ أي: جليل؛ كامل في الرجولية؛ فغيره أولى؛ (زال عن خلقه) ؛ بضمتين؛ أو بضم؛ فسكون: طبعه؛ وسجيته؛ بأن فعل خلاف ما يقتضيه؛ وثبت عليه؛ (فلا تصدقوا) ؛ به؛ كذا هي ثابتة في رواية أحمد ؛ أي: لا تعتقدوا صحة ذلك؛ بخروجه عن الإمكان؛ إذ هو بخلاف ما تقتضيه جبلة الإنسان؛ ولذلك قال: (فإنه يصير إلى ما جبل) ؛ بالبناء للمجهول؛ أي: طبع؛ (عليه) ؛ يعني: وإن فرط منه على سبيل الندرة خلاف ما يقتضيه طبعه؛ فما هو إلا كطيف منام؛ أو برق لاح وما دام؛ وتأتي الطباع على الناقل؛ وحال المنطبع؛ كالجرح؛ يندمل على فساد؛ فلا بد وأن ينبعث عن فتق؛ ولو بعد حين؛ وكما أن العضو المفلوج لا يطاوع صاحبه في تحريكه؛ وإن جاهده؛ فمتى يحركه إلى اليمين تحرك نحو الشمال؛ فكذا المتطبع؛ وإن جاهد نفسه؛ فإن قواه تأبى مطاوعته؛ وهذا الخبر صريح في أن حسن الخلق لا يمكن اكتسابه؛ لكنه منزل على تعبير القوة نفسها؛ التي هي السجية؛ لا على أساسها؛ قال الراغب : " الطبع" ؛ أصله من " طبع السيف" ؛ وهو إيجاد الصورة المخصوصة في الحديد؛ وكذا " الطبيعة" ؛ و" الغريزة" ؛ لما غرز عليه؛ وكل ذلك اسم للقوة التي لا سبيل إلى تغييرها؛ و" السجية" : اسم لما يسجى عليه الإنسان؛ وأكثر ما يستعمل ذلك كله فيما لا يمكن تغييره؛ لكن الخلق تارة يقال للقوة الغريزية؛ وهو المراد هنا؛ وتارة جعل اسما للحالة المكتسبة؛ التي يصير بها الإنسان خليقا أن يفعل شيئا دون شيء؛ وتارة يجعل الخلق من " الخلاقة" ؛ أي: الملابسة؛ وكأنه اسم مأمون عليه الإنسان؛ من العادة؛ وهو الذي يقال باكتسابه؛ فجعل الخلق مرة للهيئة الموجودة في النفس التي يصدر عنها الفعل بلا فكر؛ ومرة اسما للفعل الصادر عنه باسمه؛ وعلى ذلك أسماء أنواعها؛ من نحو عفة وعدالة وشجاعة؛ فإن ذلك يقال للهيئة؛ والفعل؛ جميعا.

(حم)؛ من حديث الزهري ؛ (عن أبي الدرداء ) ؛ قال: " بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نتذاكر ما يكون؛ إذ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:..." ؛ فذكره؛ قال الطيبي: " ما يكون" : الذي يحدث من الحوادث؛ أهو شيء مقضي؛ أو شيء يتجدد آنفا؛ ومن قال: " فإنه يصير..." ؛ إلخ؛ يعني: الأمر على ما قدر؛ وسبق؛ حتى العجز؛ والكيس؛ فإذا سمعتم أن الرجل الكيس يصير بليدا؛ أو بالعكس؛ وأن العاجز يرجع قويا؛ وعكسه؛ فلا تصدقوا به؛ وضرب بزوال الجبل مثلا؛ تقريبا للأفهام؛ فإن هذا ممكن الزوال بالخلق المقدر عما كان في القدر؛ قال الهيتمي: رجاله رجال الصحيح؛ إلا أن الزهري لم يدرك أبا الدرداء ؛ وقال السخاوي : حديث منقطع؛ وبه يعرف ما في رمز المؤلف لصحته.



الخدمات العلمية