الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وليس له حينئذ عزله )

                                                                                                                            ش : يعني ليس للموكل عزل وكيله بعد [ ص: 187 ] مناشبته للخصام ومقاعدة خصمه ثلاثا ومفهوم ذلك أن له عزله قبل ذلك ، وهو كذلك إذا أعلن بعزله ، وأشهد عليه ولم يكن منه تفريط في تأخير إعلام الوكيل بذلك ، وأما إن عزله سرا فلا يجوز عزله ، ويلزمه ما فعله الوكيل وما أقر به عليه إن كان جعل له الإقرار قاله ابن رشد وابن الحاج في نوازلهما ونص كلام ابن رشد على ما نقله ابن فرحون في الفصل السادس في أحكام الوكالة سئل ابن رشد عن الوكيل إذا قيدت عليه مقالة بإقراره على وكيله الذي وكله فلما طلب ذلك الإقرار استظهر موكله بعزلة عزله إياها قبل الإقرار المذكور دون أن يعلم الوكيل شيئا من ذلك هل يسقط الإقرار المذكور أم لا ؟

                                                                                                                            فأجاب ما يقيد على الوكيل لازم لموكله إلا أن يكون عزله قبل مناشبة الخصام عزلا أعلن به وأشهد عليه ، ولم يكن منه تفريط في تأخير إعلامه ، وأما بعد مناشبة الخصام أو قبله سرا فلا يجوز عزله انتهى .

                                                                                                                            فظاهره ولو أشهد في السر بعزله ، وهو كذلك بل الظاهر أن فرض المسألة إنما هو مع إشهاده سرا ، وأما لو لم يشهد ، وإنما كان قوله فقط فلا يلتفت إليه ، وهو كذلك وبقية الجواب في نوازله ما نصه : إذ لا يجوز لمن وكل وكيلا على الخصام أن يعزله بعد أن ناشب خصمه في الخصام وقاعده فيه ولا قبل ذلك سرا إذ لو جاز ذلك لم يشأ أحد أن يوكل وكيلا عن المخاصمة عنه ويشهد في السر على عزله إلا فعل ذلك فإن قضى له سكت وإن قضى عليه قال : قد كنت عزلته قال القاضي أبو الوليد : هذا الذي أقول به ولا يصح سواه على أصولهم فلا يلتفت إلى ما يؤثر في ذلك من خلاف انتهى . وقال قبله لا يلزم اليتيم إقرار وكيل وصيه عليه إلا بما يلزمه فيه إقرار الوصي مما لا يجوز له فعله ابتداء فإن وكله على الإقرار عليه فيما سوى ذلك لم يلزمه وما يقيد على وكيل الخصام من المقالات لازم لمن وكله ما لم يعزله عند الحاكم الذي وكله عنده على الخصام انتهى .

                                                                                                                            ونص كلام ابن الحاج إذا وكل رجل رجلا في مجلس القاضي على أن يبيع عليه ويفاصل في بلد آخر فذهب الوكيل بالتوكيل إلى ذلك البلد ففاصل وباع ، ثم إن الموكل استظهر بأن عزله بعد أن وكله فلا يلتفت إلى هذه العزلة ، وينفذ عليه ما عمله الوكيل إلا أن يعلن بعزلته أو بعزله في مجلس القاضي فلا يمضي عليه فعله ; لأن عزله في السر من الخدعة والقصد إلى الغش فلا يلتفت إليه ولا يعمل به انتهى . من ابن سلمون وهذا كله إنما هو على أحد المشهورين أنه ينعزل قبل علمه بعزله ، وأما على القول الثاني أنه لا ينعزل قبل علمه وإنما ينعزل بعد علمه بالعزل فلا إشكال في عدم انعزاله بعزله سرا ويبين هذا قول المصنف في التوضيح قول ابن الحاجب ومهما شرع في الخصومة فلا ينعزل ولو بحضورهما قال لما ذكر العزل وأفهم كلامه أن للموكل العزل بين هنا أنه مشروط بأن لا يتعلق بالوكالة حق للغير انتهى .

                                                                                                                            ونحوه في الذخيرة أو أصرح منه وفي كتاب الرهون من الذخيرة عن الجلاب إذا وكلت وكيلا في بيع رهن ليس لك عزل الوكيل إلا برضا المرتهن ; لأن القاعدة أن الوكالة عقد جائز من الجانبين ما لم يتعلق بها حق للغير ، وفي المبسوط لك العزل كسائر الوكالات انتهى . وقال في المنتقى فإذا أراد الراهن فسخ وكالة الوكيل في بيع الرهن فحكى الشيخ أبو القاسم والقاضي أبو محمد عن المذهب ليس له عزله إلا بإذن المرتهن وقال القاضي أبو إسحاق : له ذلك ا هـ . ثم قال في التوضيح : فرع : واختلف إذا وكله على بيع سلعة أو اشترائها أو سمى له شخصا معينا هل له أن يعزله ؟ كما لو أطلق أو لا على قولين المازري وعدها الأشياخ من المشكلات والأصح عندي في ذلك إن عين له المشتري وسمى له الثمن وقال له : شاورني أن له عزله وإن لم يسم له الثمن ولا قال له : شاورني فهذا موضع الإشكال والاضطراب واختلف إذا وكله أن يملك زوجته أمرها فهل له [ ص: 188 ] أن يعزله ؟ فرأى اللخمي وعبد الحميد وغيرهما أنه ليس له ذلك قالوا : بخلاف أن يوكله على أن يطلق زوجته فإن فيه قولين ورأى غيرهم أنه يختلف فيه كالطلاق واستشكل المازري الطريقة الأولى ; لأنه لا منفعة للموكل في هذه الوكالة ، فكان الأولى أن يكون له عزله إلا أن يقال لما جعل له تمليك زوجته صار كالملتزم لذلك التزاما لا يصح له الرجوع عنه انتهى .

                                                                                                                            وما ذكره المؤلف من أنه إذا وكله على الخصام ليس له عزله بعد مناشبة الخصام ومقاعدة خصمه ثلاثا هو أحد الأقوال الخمسة قال ابن عرفة : بعد أن ذكر كلام شيوخ أهل المذهب وما في ذلك من الخلاف ففي منع العزل بمجرد انتشاب الخصام أو بمقاعدته ثلاثا ثالثها بعد مقاعدته مقاعدة يثبت فيها الحكم ورابعها ما لم يشرف على تمام الحكم وخامسها على الحكم لابن رشد مع اللخمي والمتيطي عن المذهب وله عن أحد قولي أصبغ وثانيهما محمد انتهى ( تنبهات الأول ) : ما ذكره من أن ليس له عزله بعد مناشبة الخصام ومقاعدة خصمه ثلاثا إنما هو إذا لم يظهر منه غش أو تدخيل في الخصومة وميل مع المخاصم له ، وإن ظهر منه ذلك ، فله عزله ولو بعد مناشبته للخصام قال ابن فرحون في تبصرته : للموكل عزل الوكيل ما لم يناشب الخصومة فإن كان الوكيل قد ناشب خصمه وجالسه عند الحاكم ثلاث مرات فأكثر لم يكن له عزله إلا أن يظهر منه غش أو تدخيل في خصومته وميل مع المخاصم له ، فله عزله ، وكذلك لو وكله بأمر فظهر غشه كان عيبا ، وله أن يفسخ الوكالة انتهى . ونحوه في شرحه لابن الحاجب وقال ابن عرفة : قال المتيطي : وإن ظهر من الوكيل تفريط أو ميل مع الخصم أو مرض فلموكله عزله انتهى ( الثاني ) : مفهوم كلام المصنف أن الوكالة لو كانت في غير الخصام لكان للموكل عزله وللوكيل عزل نفسه ، وهو كذلك قال ابن عرفة : ولابن رشد للموكل عزل وكيله وللوكيل أن ينخل عن الوكالة متى شاء أحدهما اتفاقا إلا في وكالة الخصام ، فليس لأحدهما بعد ذلك إن انتشب الخصام والمفوض إليه والمخصوص سواء انتهى

                                                                                                                            وقال ابن فرحون في تبصرته : وإن كانت الوكالة بغير عوض ، فهي معروف من الوكيل يلزمه إذا قبل ، وللموكل عزله متى شاء إلا أن تكون الوكالة في الخصام ، ويجوز للوكيل في غير الخصام أن يعزل نفسه متى شاء من غير اعتبار رضا موكله إلا أن يتعلق به حق لأحد ، ويكون في عزله نفسه إبطال لذلك الحق فلا يكون له ذلك ; لأنه قد تبرع بمنافعه انتهى . وقال قبله وإن كانت بعوض فهي إجارة تلزمهما بالعقد ولا يكون لواحد التخلي وتكون بعوض مسمى وإلى أجل مضروب وفي عمل معروف انتهى . وأصله لابن رشد وقد صرح المصنف بهذا المفهوم في آخر هذا الباب بقوله وهل لا تلزم أو إن وقعت بإجارة أو جعل ، فلهما وإلا لم يلزم ، تردد وانظر التوضيح في قول ابن الحاجب والوكالة بأجرة لازمة كالإجارة ، فإنه أشبع الكلام في ذلك ( الثالث ) : قال في النوادر في آخر كتاب الصدقات والهبات ومن كتاب ابن المواز : ومن له على رجل غائب دينار وخمسة دراهم فآجر رجلا في تقاضيه الخمسة الدراهم ، وقال له فإذا قبضت ذلك فتصدق بالدينار فلما قدم كلمه فدفع إليه بلا مؤنة ولا خصومة قال : يتصدق بالدينار ويرسل بالخمسة دراهم إلى ربها انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية