الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إقطاع المعادن وغيرها ( قال الشافعي ) : رحمه الله وفي إقطاع المعادن قولان . أحدهما : أنه يخالف إقطاع الأرض ; لأن من أقطع أرضا فيها معادن أو عملها وليست لأحد سواء كانت ذهبا أو فضة أو نحاسا أو ما لا يخلص إلا بمؤنة ; لأنه باطن مستكن بين ظهراني تراب أو حجارة كانت هذه كالموات في أن له أن يقطعه إياها ، ومخالفة للموات في أحد القولين فإن الموات إذا أحييت مرة ثبت إحياؤها وهذه في كل يوم يبتدأ [ ص: 232 ] إحياؤها لبطون ما فيها ، ولا ينبغي أن يقطعه من المعادن إلا قدر ما يحتمل على أنه إن عطله لم يكن له منع من أخذه ، ومن حجته في ذلك أن له بيع الأرض وليس له بيع المعادن وأنها كالبئر تحفر بالبادية فتكون لحافرها ، ولا يكون له منع الماشية فضل مائها وكالمنزل بالبادية هو أحق به فإذا تركه لم يمنع منه من نزله . ولو أقطع أرضا فأحياها ثم ظهر فيها معدن ملكه ملك الأرض في القولين معا وكل معدن عمل فيه جاهلي ثم استقطعه رجل ففيه أقاويل . أحدها : أنه كالبئر الجاهلي والماء العد فلا يمنع أحد أن يعمل فيه فإذا استبقوا إليه فإن وسعهم عملوا معا ، وإن ضاق أقرع بينهم أيهم يبدأ ثم يتبع الآخر فالآخر حتى يتأسوا فيه والثاني للسلطان أن يقطعه على المعنى الأول يعمل فيه ، ولا يملكه إذا تركه والثالث يقطعه فيملكه ملك الأرض إذا أحدث فيها عمارة وكل ما وصفت من إحياء الموات ، وإقطاع المعادن وغيرها فإنما عنيته في عفو بلاد العرب الذي عامره عشر وعفوه مملوك وكل ما ظهر عليه عنوة من بلاد العجم فعامره كله لمن ظهر عليه من المسلمين على خمسة أسهم ، وما كان في قسم أحدهم من معدن ظاهر فهو له كما يقع في قسمة العامر بقيمته فيكون له وكل ما كان في بلاد العنوة مما عمر مرة ثم ترك فهو كالعامر القائم العمارة مثل ما ظهرت عليه الأنهار وعمر بغير ذلك على نطف السماء أو بالرشاء وكل ما كان لم يعمر قط من بلادهم فهو كالموات من بلاد العرب ، وما كان من بلاد العجم صلحا فما كان لهم فلا يؤخذ منهم غير ما صولحوا عليه إلا بإذنهم فإن صولحوا على أن للمسلمين الأرض ، ويكونون أحرارا ثم عاملهم المسلمون بعد فالأرض كلها صلح وخمسها لأهل الخمس ، وأربعة أخماسها لجماعة أهل الفيء ، وما كان فيها من موات فهو كالموات غيره فإن وقع الصلح على عامرها ، ومواتها كان الموات مملوكا لمن ملك العامر كما يجوز بيع الموات من بلاد المسلمين إذا حازه رجل ، ومن عمل في معدن في أرض ملكها لغيره فما خرج منه فلمالكها وهو متعد بالعمل ، وإن عمل بإذنه أو على أن ما خرج من عمله فهو له فسواء وأكثر هذا أن يكون هبة لا يعرفها الواهب ، ولا الموهوب له ، ولم يحز ، ولم يقبض وللآذن الخيار في أن يتم ذلك أو يرد وليس كالدابة يأذن في ركوبها ; لأنه أعرف بما أعطاه وقبضه .

( قال الشافعي ) : رحمه الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم { من منع فضل ماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة } .

( قال الشافعي ) : رحمه الله وليس له منع الماشية من فضل مائه وله أن يمنع ما يسقى به الزرع أو الشجر إلا بإذنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية