الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4617 ص: حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل ، عن مالك بن مرثد ، عن أبيه قال: "سألت أبا ذر، فقلت: أسألت رسول الله -عليه السلام- عن ليلة القدر؟ قال: نعم، كنت أسأل الناس عنها -قال عكرمة: : يعني أشبع سؤالا- قلت: يا رسول الله، أخبرني [ ص: 221 ] عن ليلة القدر في رمضان هي، أم في غيره؟ قال: في رمضان. قلت: وتكون مع الأنبياء ما كانوا، فإذا رفعوا رفعت؟ قال: بل هي إلى يوم القيامة. قلت: في أي رمضان هي؟ قال: في العشر الأول أو في العشر الآخر، ثم حدث رسول الله -عليه السلام- وحدثت، فقلت: يا رسول الله في أي العشرين هي؟ قال: التمسوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها، ثم حدث رسول الله -عليه السلام- فقلت: يا رسول الله، أقسمت عليك لتخبرني بحقي عليك في أي العشر هي؟ فغضب علي غضبا لم يغضب علي قبل ولا بعد، ثم قال: إن الله -عز وجل- لو شاء لأطلعكم عليها، التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها".

                                                التالي السابق


                                                ش: رجاله ثقات.

                                                ويعقوب بن إسحاق النحوي، روى له الجماعة سوى البخاري ، الترمذي في "الشمائل".

                                                وعكرمة بن عمار العجلي اليمامي، روى له الجماعة، البخاري مستشهدا.

                                                وأبو زميل -بضم الزاي المعجمة- اسمه سماك بن الوليد الحنفي، روى له الجماعة، البخاري في غير "الصحيح".

                                                ومالك بن مرثد بن عبد الله الزماني، وثقه ابن حبان، وروى له الترمذي والنسائي وابن ماجه .

                                                وأبوه مرثد بن عبد الله، وثقه ابن حبان روى له الترمذي وابن ماجه .

                                                وأبو ذر الغفاري اسمه جندب بن جنادة .

                                                وأخرجه النسائي من حديث ابن عمار ، عن أبي زميل ، عن مالك بن مرثد قال: "قلت لأبي ذر: سألت رسول الله -عليه السلام- عن ليلة القدر؟ قال: أنا كنت أسأل الناس عنها -يعني أشد الناس مسألة- فقلت: يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر أو في رمضان هي أو في غيره؟ قال: لا، بل في شهر رمضان فقلت: [ ص: 222 ] أتكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضت الأنبياء ورفعوا رفعت معهم، أو هي إلى يوم القيامة؟ قال: لا، بل هي إلى يوم القيامة، فقلت: فأخبرني في أي شهر رمضان هي؟ قال: التمسوها في العشر الأواخر، والعشر الأول، ثم حدث نبي الله وحدثت، فاهتبلت غفلته فقلت: يا نبي الله، أخبرني في أي العشر هي؟ قال: التمسوها في العشر الأواخر، ولا تسألني عن شيء بعد هذا، ثم حدث وحدثت، فاهتبلت غفلته، فقلت: أقسمت عليك يا رسول الله بحقي عليك؛ لتحدثني في أي العشر هي؟ فغضب علي غضبا ما غضب علي من قبل ولا بعد، ثم قال: التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شيء بعد".

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : نا وكيع، قال: نا سفيان ، عن الأوزاعي ، عن مرثد بن أبي مرثد ، عن أبيه قال: "كنت مع أبي ذر عند الجمرة الوسطى، فسألته عن ليلة القدر، فقال: كنت أسأل الناس عنها رسول الله -عليه السلام-، قلت: يا رسول الله، ليلة القدر كانت تكون على عهد الأنبياء -عليهم السلام-، فإذا ذهبوا رفعت؟ قال: لا، ولكن تكون إلى يوم القيامة. قال: قلت: يا رسول الله، فأخبرنا بها، قال: لو أذن لي فيها لأخبرتكم ولكن التمسوها في أحد السبعين، لا تسألني عنها بعد مقامي أو مقامك هذا، ثم أخذ في حديث، فلما انبسط، قلت: يا رسول الله أقسمت عليك إلا حدثتني بها، قال أبو ذر: فغضب علي غضبة لم يغضب علي قبلها ولا بعدها مثلها".

                                                قوله: "كنت أسأل الناس" أي أكثر الناس سؤالا، وأسأل ها هنا أفعل التفضيل، وقد فسره عكرمة الراوي بقوله: "أشبع سؤالا" أي أكثر وأشد سؤالا.

                                                قوله: "لتخبرني" اللام فيه مفتوحة؛ لأنها للتأكيد.

                                                قوله: "فغضب" إنما كان غضبه -عليه السلام- لأمرين:

                                                الأول: أنه أقسم على النبي -عليه السلام-، وليس لأحد يمين على النبي -عليه السلام-.

                                                [ ص: 223 ] والثاني: أنه سأل عن شيء لم يكن النبي -عليه السلام- مأذونا في تعيينه، كما جاء في رواية ابن أبي شيبة: "لو أذن لي فيها لأخبرتكم".

                                                قوله: "فاهتبلت غفلته" في رواية النسائي، أي اغتنمت من الهبالة وهي الغنيمة.

                                                وهذا الحديث رد على من يقول: إن ليلة القدر في جميع السنة، وبيان أنها في السبع الأواخر ولكنها غير معينة.




                                                الخدمات العلمية