الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
72 - من

لا تكون إلا اسما لوقوعها فاعلة ومفعولة ومبتدأة ، ولها أربعة أقسام متفق عليها : الموصولة ، والاستفهامية ، والشرطية ، والنكرة الموصوفة .

فالموصولة كقوله : وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون ( الأنبياء : 19 ) . ولله يسجد من في السماوات والأرض ( الرعد : 15 ) .

والاستفهامية ، وهي التي أشربت معنى النفي ، ومنه : ومن يغفر الذنوب إلا الله ( آل عمران : 135 ) و ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ( الحجر : 56 ) . ولا يتقيد [ ص: 353 ] جواز ذلك بأن يتقدمها الواو خلافا لابن مالك في التسهيل بدليل : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( البقرة : 255 ) . والشرطية كقوله تعالى : من عمل صالحا فلنفسه ( فصلت : 46 ) . و من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ( الأنعام : 160 ) .

والنكرة الموصوفة كقوله : ومن الناس من يقول ( البقرة : 8 ) أي فريق يقول .

وقيل : موصولة ، وضعفه أبو البقاء بأن " الذي " يتناول أقواما بأعيانهم ، والمعنى هاهنا على الإيهام .

وتوسط الزمخشري فقال : إن كانت " أل " للجنس فنكرة ، أو للعهد فموصولة ، وكأنه قصد مناسبة الجنس للجنس ، والعهد للعهد ، لكنه ليس بلازم ، بل يجوز أن تكون للجنس ومن موصولة ، وللعهد ومن نكرة . ثم الموصولة قد توصف بالمفرد وبالجملة ، وفي التنزيل : كل من عليها فان ( الرحمن : 26 ) في أحد الوجهين ، أي كل شخص مستقر عليها .

قالوا : وأصلها أن تكون لمن يعقل ، وإن استعملت في غيره فعلى المجاز .

هذه عبارة القدماء ، وعدل جماعة إلى قولهم : ( من يعلم ) لإطلاقها على الباري ، كما في قوله تعالى : قل من رب السماوات والأرض قل الله ( الرعد : 16 ) وهو سبحانه يوصف بالعلم لا بالعقل لعدم الإذن فيه . وضيق سيبويه العبارة فقال : هي للأناسي .

فأورد عليه أنها تكون للملك كقوله تعالى : ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ( الحج : 18 ) فكان حقه أن يأتي بلفظ يعم الجميع ، بأن يقول لأولي العلم .

[ ص: 354 ] وأجيب بأن هذا يقل فيها ، فاقتصر على الأناسي للغلبة .

وإذا أطلقت على ما لا يعقل ، فإما لأنه عومل معاملة من يعقل ، وإما لاختلاطه به .

فمن الأول قوله تعالى : أفمن يخلق كمن لا يخلق ( النحل : 17 ) والذي لا يخلق المراد به الأصنام ، لأن الخطاب مع العرب لكنه لما عوملت بالعبادة عبر عنها بمن ، بالنسبة إلى اعتقاد المخاطب ، ويجوز أن يكون المراد بمن لا يخلق العموم الشامل لكل ما عبد من دون الله من العاقلين وغيرهم ، فيكون مجيء " من " هنا للتغليب الذي اقتضاه الاختلاط في قوله تعالى : والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ( النور : 45 ) الآية ، فعبر بها عمن يمشي على بطنه ، وهم الحيات ، وعمن يمشي على أربع وهم البهائم ، لاختلاطها مع من يعقل في صدر الآية ، لأن عموم الآية يشمل العقلاء وغيرهم ، فغلب على الجميع حكم العاقل .

( فائدة ) قيل : إنما كانت من لمن يعقل وما لما لا يعقل ، لأن مواضع ما في الكلام أكثر من مواضع من ، وما لا يعقل أكثر ممن يعقل ، فأعطوا ما كثرت مواضعه للكثير ، وأعطوا ما قلت مواضعه للقليل ، وهو من يعقل للمشاكلة والمجانسة

( تنبيه ) ذكر الأبياري في شرح البرهان أن اختصاص من بالعاقل وما بغيره مخصوص بالموصولتين ، أما الشرطية فليست من هذا القبيل ، لأن الشرط يستدعي الفعل ولا يدخل على الأسماء

( تنبيه ) وقد سبق في قاعدة مراعاة اللفظ والمعنى بيان حكم من في ذلك ، وقوله تعالى : إلا من كان هودا أو نصارى ( البقرة : 111 ) فجعل اسم كان مفردا حملا على [ ص: 355 ] لفظ من ، وخبرها جمعا حملا على معناها ، ولو حمل الاسم والخبر على اللفظ معا لقال : إلا من كان يهوديا أو نصرانيا ، ولو حملهما على معناها لقال : إلا من كانوا هودا أو نصارى ، فصارت الآية الشريفة بمنزلة قولك : لا يدخل الدار إلا من كان عاقلين ، وهذه المسألة منعها ابن السراج وغيره ، وقالوا : لا يجوز أن يحمل الاسم والخبر معا على اللفظ ، فيقال : إلا من كان عاقلا ، أو يحملا معا على المعنى فيقال : إلا من كانوا عاقلين . وقد جاء القرآن بخلاف قولهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية