الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
74 - مع

للمصاحبة بين أمرين لا يقع بينهما مصاحبة واشتراك إلا في حكم يجمع بينهما ، ولذلك [ ص: 366 ] لا تكون الواو التي بمعنى مع إلا بعد فعل لفظا أو تقديرا ، لتصح المعية . وكمال معنى المعية الاجتماع في الأمر الذي به الاشتراك ، في زمان ذلك الاشتراك ، وتستعمل أيضا لمجرد الأمر الذي به الاشتراك دون زمانه .

فالأول يكثر في أفعال الجوارح والعلاج ، نحو : دخلت مع زيد ، وانطلقت مع عمرو ، وقمنا معا ومنه قوله تعالى : ودخل معه السجن فتيان ( يوسف : 36 ) أرسله معنا غدا ( يوسف : 12 ) فأرسل معنا أخانا ( يوسف : 63 ) لن أرسله معكم ( يوسف : 66 ) .

والثاني يكثر في الأفعال المعنوية ، نحو : آمنت مع المؤمنين وتبت مع التائبين ، وفهمت المسألة مع من فهمها ، ومنه قوله تعالى : يامريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ( آل عمران : 43 ) . وقوله : وكونوا مع الصادقين ( التوبة : 119 ) وقيل ادخلا النار مع الداخلين ( التحريم : 10 ) . إنني معكما أسمع وأرى ( طه : 46 ) . إن معي ربي سيهدين ( الشعراء : 62 ) . لا تحزن إن الله معنا ( التوبة : 40 ) أي بالعناية والحفظ . يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ( التحريم : 8 ) يعني الذين شاركوه في الإيمان ، وهو الذي وقع فيه الاجتماع والاشتراك من الأحوال والمذاهب .

وقد ذكروا الاحتمالين المذكورين في قوله تعالى : واتبعوا النور الذي أنزل معه ( الأعراف : 157 ) قيل : إنه من باب المعية في الاشتراك ، فتمامه الاجتماع في الزمان على حذف مضاف ، إما أن يكون تقديره أنزل مع نبوته ، وإما أن يكون التقدير مع اتباعه .

وقيل : لأنه فيما وقع به الاشتراك دون الزمان ، وتقديره : واتبعوا معه النور .

[ ص: 367 ] وقد تكون المصاحبة في الاشتراك بين المفعول وبين المضاف ، كقوله : شممت طيبا مع زيد .

ويجوز أن يكون منه قوله تعالى : إنك لن تستطيع معي صبرا ( الكهف : 67 ) نقل ذلك أبو الفتح القشيري في شرح الإلمام ، عن بعضهم ، ثم قال : وقد ورد في الشعر استعمال " مع " في معنى ينبغي أن يتأمل ليلحق بأحد الأقسام ، وهو قوله : يقوم

مع الرمح الرديني قامة ويقصر عنه طول كل نجاد



وقال الراغب : " مع " تقتضي الاجتماع ، إما في المكان نحو : هما معا في الدار ، أو في الزمان نحو : ولدا معا ، أو في المعنى كالمتضايفين ، نحو : الأخ والأب ، فإن أحدهما صار أخا للآخر في حال ما صار الآخر أخاه ، وإما في الشرف والرتبة ، نحو : هما معا في العلو ، وتقتضي معنى النصرة ، والمضاف إليه لفظ " مع " هو المنصور ، نحو قوله تعالى : لا تحزن إن الله معنا ( التوبة : 40 ) . إن الله مع الذين اتقوا ( النحل : 128 ) . وهو معكم أين ما كنتم ( الحديد : 4 ) واعلموا أن الله مع المتقين ( البقرة : 194 ) إن معي ربي سيهدين ( الشعراء : 62 ) انتهى .

وقال ابن مالك : إن معا إذا أفردت تساوي جميعا معنى ، ورد عليه الشيخ أبو حيان بأن بينهما فرقا . قال ثعلب : إذا قلت : قام زيد وعمرو جميعا احتمل أن يكون القيام في وقتين ، وأن يكون في وقت واحد ، وإذا قلت : قام زيد وعمرو معا ، فلا يكون إلا في وقت واحد . والتحقيق ما سبق .

[ ص: 368 ] ويكون بمعنى النصرة والمعونة والحضور ، كقوله : ( إنني معكما ) أي ناصركما ، إن الله مع الذين اتقوا ( النحل : 128 ) أي معينهم . وهو معكم أين ما كنتم ( الحديد : 4 ) ، أي عالم بكم ومشاهدكم ، فكأنه حاضر معهم ، وهو ظرف زمان عند الأكثرين ، إذا قلت : كان زيد مع عمرو ، أي زمن مجيء عمرو ، ثم حذف الزمن والمجيء وقامت ( مع ) مقامهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية