الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 167 ] المسألة السادسة عشرة

          اختلفوا في نسخ حكم أصل القياس : هل يبقى معه حكم الفرع أو لا ؟

          فذهب بعض أصحاب أبي حنيفة إلى بقائه والباقون إلى امتناعه وهو المختار ; لأن ثبوت الحكم في الفرع تابع لاعتبار علته بحكم الأصل ، فإذا نسخ حكم الأصل خرجت العلة المستنبطة منه عن أن تكون معتبرة في نظر الشارع ، فبطل ما كان تابعا لاعتبارها .

          فإن قيل : يلزم مما ذكرتموه نسخ حكم الفرع بالقياس على حكم الأصل حيث جعلتم رفع حكم الفرع تابعا لرفع حكم الأصل ، والنسخ بالقياس غير جائز على ما قررتموه ثم ما ذكرتموه من انتفاء التابع لانتفاء المتبوع متى يلزم ذلك ، إذا كان الحكم يفتقر في دوامه إلى دوام سببه أو إذا لم يفتقر .

          الأول مسلم والثاني ممنوع فلم قلتم بافتقاره إليه ؟ وإن سلمنا ذلك ولكن ما ذكرتموه منتقض بالأب فإنه يتبعه ولده الطفل في الإسلام والكفر ، ولو زال إسلام الأب بالردة لم يلزم منه زوال ما كان ثابتا للولد من الإسلام تبعا له .

          قلنا : جواب الأول أنا لا نسلم أن رفع الحكم في الفرع كان بالقياس على رفع حكم الأصل وإلا لافتقر إلى علة جامعة نافية لهما وليس كذلك ، وإنما قيل برفعه لانتفاء علته ، وفرق بين انتفاء الحكم لانتفاء موجبه وبين انتفائه بالقياس .

          وجواب الثاني : أنه إن قيل بافتقار الحكم في دوامه إلى دوام علته فهو المطلوب ، وإن لم يقل بذلك فلا خلاف بين أئمة الفقه أنه وإن لم يفتقر الحكم في دوامه إلى دوام ضابط حكمة الحكم المعرف للحكم في الفرع في ابتدائه أنه لا بد من دوام احتمال الحكمة ، حتى إنه لو انتهت حكمة الحكم قطعا امتنع بقاؤه بعدها ، وإذا لم يكن بد من دوام احتمال الحكمة فلا بد من أن تكون معتبرة لاستحالة بقاء الحكم لحكمة غير معتبرة ، وبنسخ حكم الأصل زال اعتبارها وانتفاء ما لا بد منه في دوام الحكم يوجب رفع الحكم .

          وعلى هذا فقد اندفع النقض ، فإنا لا نسلم أن إسلام الأب علة موجبة لإسلام الابن ، حتى يلزم من انتفاء إسلامه انتفاء إسلام الابن ، ولا أن دوام إسلام الأب معتبر في دوام إسلام الابن ليلزم من انتفائه انتفاؤه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية