الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وحمل طعام لبلد بنصفه إلا أن يقبضه الآن )

                                                                                                                            ش : أي إلا أن يشترط أن يقبض نصفه الآن قال في كتاب الجعل والإجارة من المدونة : ولا يجوز أن يحمل لك طعاما إلى بلد كذا بنصفه إلا أن تنقده نصفه مكانك ; لأنه شيء بعينه بيع على أن يتأخر قبضه إلى أجل انتهى .

                                                                                                                            قال أبو الحسن : هذا بالشرط ، ولو اشترط أن ينقده فلا إشكال في المنع ، وإن وقع الأمر مبهما فعلى مذهب ابن القاسم هو على الفساد حتى يشترط قبض نصفه الآن ، وعلى مذهب أشهب وابن حبيب وسحنون هو جائز حتى يشترط أن لا يقبضه إلا بعد البلاغ ، ونحوه في ابن يونس ( تنبيهان الأول : ) قال في كتاب الجعل والإجارة من المدونة : ولا يجوز أن يقول له : احمل طعامي هذا إلى بلد كذا ولك نصفه إلا أن يعطي نصفه نقدا ، ولا يجوز على تأخيره إلى البلد لو اكتال نصفه هاهنا ، ثم يحمل الجميع إلى البلد لم يجز أيضا قال ابن حبيب : ولو سلم له نصفه إن شاء حمله أو حبسه لجاز انتهى .

                                                                                                                            فمعنى الأول أنه كان له نصفه ، وشرط عليه أن يحمل الجميع إلى البلد والله أعلم .

                                                                                                                            ( الثاني : ) إذا وقع ذلك وحمله للبلد فذكر ابن يونس عن ابن أخي هشام أن للحمال نصفه ، وعليه مثله في الموضع الذي حمله منه ، وله كراؤه في النصف الآخر ما بلغ قال : وعاب هذا بعض شيوخنا ، وقال : يلزم عليك إذا هلك الطعام أن تضمن نصفه ; لأنه على قوله بالقبض لزم ذمته ، وهذا بعيد ; لأن فساد المعاملة منع المكاري من قبض حصته إلى أن يصل للبلد المحمول إليه فكيف يضمن إذا هلك قبل البلد ، وهو إنما يصير له بعد الوصول إليها ، وإنما يكون الطعام كله لربه ، وعليه إجارة حمله كله ، وهذا هو الصواب كما في مسألة دبغ الجلود ونصها : ونسج الثوب على أن له نصف ذلك إذا فرغ فعمل على ذلك فإن له أجر عمله ، والثوب والجلود لربها ، فكذلك هذا انتهى .

                                                                                                                            أبو الحسن : ويظهر لي أن قول ابن أخي هشام هو ظاهر الكتاب من قوله ; لأنه لا شيء بعينه بيع على أن يتأخر قبضه تأمله ، وفي مسألة الجلود والثوب : شرط أنه إنما يقبض بعد الفراغ انتهى .

                                                                                                                            فإن أفات الحمل النصف بعد وصوله للبلد المحمول إليه ، فعليه مثله في ذلك الموضع ، وله جميع الكراء والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية