الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4 - " آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة " ؛ (ت) عن أبي هريرة .

التالي السابق


(آخر قرية) ؛ بفتح القاف؛ وكسرها؛ كما في تاريخ السمهودي؛ من " القري" ؛ وهو الجمع؛ سميت به لاجتماع الناس فيها؛ (من قرى الإسلام خرابا المدينة) ؛ النبوية؛ علم لها بالغلبة؛ فلا يستعمل معرفا إلا فيها؛ والنكرة اسم لكل مدينة؛ من " مدن بالمكان" ؛ أقام به؛ أو من " دان" ؛ إذا أطاع؛ إذ يطاع السلطان فيها؛ وهي أبيات كثيرة؛ تجاوز حد القرى؛ ولم تبلغ حد الأمصار؛ ونسبوا للكل " مديني" ؛ وللمدينة النبوية " مدني" ؛ للفرق؛ كذا قرره جمع؛ فإن قلت: ما ذكروه من أنها تجاوز حد القرى بينه وبين هذا الحديث تعارض؛ حيث جعلها من القرى؛ قلت: كلا؛ فإنها كانت في صدر الإسلام قبل الهجرة لا تجاوز حد القرى؛ وكان إذ ذاك الإسلام إنما فشا في القرى؛ ولم ينتشر في المدن والأمصار؛ فلما هاجر المسلمون إليها؛ واتسع الإسلام؛ تجاوزت حد القرى؛ فغلب عليها حينئذ اسم المدينة؛ و" الخراب" : ذهاب العمارة؛ و" العمارة" : إحياء المحل؛ وشغله بما وضع له؛ ذكره الحراني ؛ وفي الكشاف: " التخريب" ؛ و" الإخراب" : الإفساد بالنقض والهدم؛ قيل: وفيه أن بلاده لا تزال عامرة إلى آخر وقت؛ وأنت تعلم أنه لا دلالة في هذا الخبر؛ إذ لا تعرض فيه بكون ديار الكفر تخرب قبل خراب قرى الإسلام التي آخرها خرابا المدينة؛ نعم؛ يؤخذ منه ذلك بضميمة الخبر الآتي بعده؛ ومن ثم حسن تعقيبه به؛ وبه يعلم أن ذكر الإسلام لا مفهوم له؛ على أن عيسى بعد نزوله يرفع الجزية؛ ويقتل الكفرة؛ فتصير الكل دار إسلام.

(ت) ؛ في أواخر جامعه؛ (عن أبي هريرة ) ؛ وقال: حسن غريب؛ لا نعرفه إلا من حديث جنادة بن مسلم ؛ وقد رمز المصنف لضعفه؛ وهو كما قال؛ فإن الترمذي ذكر في العلل أنه سأل عنه البخاري ؛ فلم يعرفه؛ وجعل يتعجب منه؛ وقال: كنت أرى أن جنادة هذا مقارب الحديث؛ انتهى.

وقد جزم بضعف جنادة المذكور جمع؛ منهم المزني وغيره؛ قال السبكي كغيره: وإذا ضعف الرجل في السند ضعف الحديث من أجله؛ ولم يكن فيه دلالة على بطلانه من أصله؛ ثم قد يصح من طريق أخرى؛ وقد يكون هذا الضعيف صادقا ثبتا في تلك الرواية؛ فلا يدل مجرد تضعيفه والحمل عليه على بطلان ما جاء في نفس الأمر؛ انتهى؛ قالوا: وإذا قوي الضعف لا ينجبر بوروده من وجه آخر؛ وإن كثرت طرقه؛ ومن ثم اتفقوا على ضعف حديث: " من حفظ على أمتي أربعين حديثا..." ؛ مع كثرة طرقه؛ لقوة ضعفه وقصورها عن الجبر؛ بخلاف ما خف ضعفه ولم يقصر الجابر عن جبره؛ فإنه ينجبر ويعتضد.



الخدمات العلمية