الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
975 - " استرشدوا العاقل؛ ترشدوا؛ ولا تعصوه؛ فتندموا " ؛ (خط)؛ في رواة مالك ؛ عن أبي هريرة ؛ (ض).

التالي السابق


(استرشدوا) ؛ بكسر المعجمة؛ (العاقل) ؛ أي: الكامل العقل؛ قال للكمال؛ لا للحقيقة؛ (ترشدوا) ؛ بفتح أوله؛ وضم ثالثه؛ كما ضبطه جمع؛ أي: اطلبوا منه؛ ندبا مؤكدا؛ الإرشاد إلى إصابة الصواب؛ يحصل لكم الاتصاف بالرشد؛ والسداد؛ ولكن يختلف الحال باختلاف الأمر المطلوب؛ فشاور في أمور الدين؛ وشؤون الآخرة؛ الذين عقلوا الأمر؛ والنهي؛ عن الله؛ وعقلوا بالعقل النفوس عن موارد الهوى؛ وكفوها بالخوف عن موارد الردى؛ وألزموها طرق سبل الهدى؛ وفي أمور الدنيا من جرب الأمور؛ ومارس المحبوب؛ والمحذور؛ ولا تعكس؛ ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة مر بقوم يلقحون نخلا؛ فقال: " لو لم تفعلوا لصلح" ؛ فتركوا؛ فخرج شيصا؛ فقال: " أنتم أعلم بأمر دنياكم" ؛ رواه مسلم ؛ وروى أحمد عن طلحة قال: مررت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نخل؛ فرأى قوما يلقحون نخلا؛ فقال: " ما تصنعون؟" ؛ قالوا: كنا نصنعه؛ قال: " لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا" ؛ فتركوه؛ فنقصت ثمرته؛ فقال: " إنما أنا بشر مثلكم؛ وإن الظن يخطئ؛ ويصيب؛ ولكن ما قلت لكم: قال الله؛ فلن أكذب على الله؛ فلن أكذب على الله" ؛ أهـ؛ وقد أمر الله نبيه بالاستشارة؛ مع كونه أرجح الناس عقلا؛ فقال (تعالى): وشاورهم في الأمر ؛ وأثنى (تعالى) على فاعليها؛ في قوله: وأمرهم شورى بينهم ؛ (ولا تعصوه) ؛ بفتح أوله؛ (فتندموا) ؛ أي: لا تخالفوه فيما يرشدكم إليه؛ فتصبحوا على ما فعلتم نادمين؛ والفاء لقوة ارتباط الطلب؛ وتأكد طلب المنع من المخالفة؛ والتحذير منها؛ وأعظم به من حث على استشارة أولي الألباب؛ والاقتداء بهم؛ وفيه تنويه عظيم على شرف العقل! قال بعض الحكماء: من استعان بذوي العقول فاز بدرك المأمول؛ وقال بعضهم: لا تصلح الأمور إلا برأي أولي الألباب؛ والرحى لا تدور إلا على الأقطاب؛ قال البيهقي : قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم! فقال: نحن ألف رجل؛ فينا حازم؛ ونحن نطيعه؛ فكأننا ألف حازم؛ وقال علي - كرم الله وجهه -: " نعم الموازرة المشاورة! وبئس الاستعداد الاستبداد!" ؛ قال الماوردي : فيتعين على العاقل أن يسترشد إخوان الصدق؛ الذين هم ضياء القلوب؛ ومزايا المحاسن والعيوب؛ على ما ينبهونه عليه من مساويه التي صرفه حسن الظن عنها؛ فإنهم أمكن نظرا؛ وأسلم فكرا؛ ويجعل ما ينبهونه عليه من مساويه عوضا عن تصديق المدح فيه؛ وقال بعض الكاملين: حكمة الأمر بالاستشارة أن صاحب الواقعة لا ينفك عن هوى يحجبه عن [ ص: 490 ] الرشد؛ فيسترشد عاقلا؛ كامل العقل؛ حازم الرأي؛ لا هوى عنده؛ واعتبر فيمن يستشار كمال العقل؛ ومن لازمه الدين؛ فلا ثقة برأي من ليس كذلك؛ وعلم من ذلك أنه لا يستشير امرأة؛ كيف؛ وقد أخبر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بنقص عقلها؟! وفي خبر سيأتي: " طاعة النساء ندامة" ؛ فإن لم يجد من يستشيره؛ شاورها؛ وخالفها؛ فقد روى العسكري عن عمر - رضي الله عنه -: " خالفوا النساء؛ فإن في خلافهن البركة" ؛ وفي إفهام الحديث تحذير عظيم من العمل برأي من لم تكمل رتبته في العقل؛ وعدم التعويل على ما يقول؛ أو يفعل.

(خط)؛ في كتاب؛ (رواة مالك ) ؛ ابن أنس ؛ وكذا القضاعي ؛ (عن أبي هريرة ) ؛ وفيه سلمان بن عيسى السجزي؛ قال في الميزان: هالك؛ وقال الجوزقاني وأبو حامد: كذاب صراح؛ وقال ابن عدي : وضاع؛ ثم سرد له أحاديث؛ هذا منها؛ وقال - أعني: الذهبي - عقب إيراده المتن -: هذا غير صحيح؛ قال في اللسان؛ وأورده الدارقطني من رواية محمد بن منصور البلخي ؛ عن سليمان؛ وقال: هذا منكر؛ وسليمان متروك؛ وقال الحاكم : الغالب على أحاديثه المناكير والموضوعات؛ وأعاده في موضع آخر؛ وقال: أورده الدارقطني في غرائب مالك ؛ وقال: حديث منكر؛ وأورده في اللسان في ترجمة عمر بن أحمد ؛ وقال: من مناكيره هذا الخبر؛ وساقه؛ ثم قال: المتهم به عمر ؛ قاله ابن النجار في ترجمته؛ انتهى؛ لكن يكسبه بعض قوة ما رواه الحارث بن أبي أسامة؛ والديلمي بسند واه: " استشيروا ذوي العقول؛ ترشدوا" ؛ به يصير ضعيفا متماسكا؛ ولا يرتقي إلى الحسن؛ لأن الضعيف - وإن كان لكذب؛ أو اتهام بوضع؛ أو لنحو سوء حفظ الراوي وجهالته؛ وقلة الشواهد والمتابعات - فلا يرقيه إلى الحسن؛ لكن يصيره بحيث يعمل به في الفضائل.



الخدمات العلمية