الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
1169 - " أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء قبلي؛ نصرت بالرعب؛ وأعطيت مفاتيح الأرض؛ وسميت ( أحمد )؛ وجعل لي التراب طهورا؛ وجعلت أمتي خير الأمم " ؛ (حم)؛ عن علي؛ (صح).

التالي السابق


(أعطيت ما لم) ؛ نكرة موصوفة؛ في محل المفعول الثاني؛ (يعط) ؛ بالضم؛ (أحد من الأنبياء قبلي) ؛ ظاهره أن كل واحدة مما ذكر لم تكن لأحد قبله؛ (نصرت بالرعب) ؛ أي: بخوف العدو مني؛ يعني: بسببه؛ وهو الذي قطع قلوب أعدائه؛ وأخمد شوكتهم؛ وبدد جموعهم؛ وزاد في رواية: " مسيرة شهر" ؛ وفي أخرى: " شهرين" ؛ (وأعطيت مفاتيح) ؛ جمع " مفتاح" ؛ بكسر أوله؛ اسم للآلة التي يفتح بها؛ وهو في الأصل كل ما يتوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها بها؛ ذكره ابن الأثير؛ (خزائن الأرض) ؛ استعارة لوعد الله له بفتح البلاد؛ وهي جمع " خزانة" ؛ ما يخزن فيه الأموال؛ مخزونة عند أهل البلاد؛ قبل فتحها؛ أو المراد خزائن العالم بأسره؛ ليخرج لهم بقدر ما يستحقون؛ فكل ما ظهر في ذلك العالم فإنما يعطيه الذي بيده المفتاح بإذن الفتاح؛ وكما اختص - سبحانه - بمفاتيح علم الغيب الكلي؛ فلا يعلمها إلا هو؛ خص حبيبه بإعطاء مفاتيح خزائن المواهب؛ فلا يخرج منها شيء إلا على يده؛ (وسميت أحمد ) ؛ فلم يسم به أحد قبله؛ حماية من الله؛ لئلا يدخل لبس على ضعيف القلب؛ أو شك في كونه هو المنعوت بـ " أحمد " ؛ في الكتب السابقة؛ (وجعل لي التراب طهورا) ؛ أي: مطهرا عند تعذر الماء؛ حسا؛ أو شرعا؛ قال ابن حجر: وذا ينصر القول بأن التيمم خاص بالتراب؛ إذ لو جاز بغيره لما اقتصر عليه؛ (وجعلت أمتي خير الأمم) ؛ بنص: كنتم خير أمة أخرجت للناس ؛ وشرف أمته من شرفه؛ وليس المراد حصر [ ص: 565 ] خصائصه في الخمسة المذكورة؛ بدليل خبر مسلم : " فضلنا على الأنبياء بست..." ؛ وفي رواية: " بسبع..." ؛ وفي أخرى أكثر؛ ولا تعارض؛ لاحتمال أنه اطلع أولا على بعض ما خص به؛ ثم على الباقي؛ أو أن البعض كان معروفا للمخاطب؛ على أن مفهوم العدد غير حجة؛ على الأصح؛ واستدل به القرطبي على أن التيمم يرفع الحدث؛ لتسويته بين التراب؛ والماء؛ في قوله: " طهورا" ؛ وهو من أبنية المبالغة؛ وهو قول لمالك ؛ ومشهور مذهبه أنه مبيح؛ كمذهب الشافعي ؛ لا رافع.

(تنبيه) : قال الحكيم الترمذي : إنما جعل تراب الأرض طهورا لهذه الأمة؛ لأنها لما أحست بمولد نبيها؛ انبسطت؛ وتمددت؛ وتطاولت؛ وأزهرت؛ وأينعت؛ وافتخرت على السماء؛ وسائر الخلق؛ بأنه مني خلق؛ وعلى ظهري تأتيه كرامة الله؛ وعلى بقاعي يسجد بجبهته؛ وفي بطني مدفنه؛ فلما جرت رداء فخرها بذلك؛ جعل ترابها طهورا لأمته؛ فالتيمم هدية من الله لهذه الأمة؛ خاصة؛ لتدوم لهم الطهارة في جميع الأحوال والأزمان.

(حم؛ عن علي) ؛ أمير المؤمنين ؛ رمز المصنف لصحته؛ وهو غير صواب؛ كيف وقد أعله الهيتمي وغيره بأن فيه عبد الله بن محمد بن عقيل ؛ سيئ الحفظ؛ وإن كان صدوقا؟! فالحديث حسن؛ لا صحيح.



الخدمات العلمية