الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3977 3978 3979 3980 3981 3982 3983 ص: فاحتمل أن يكون ذلك الإصباح هو طلوع الشمس، واحتمل أن يكون قبل ذلك، فنظرنا في ذلك فإذا ابن أبي داود قد حدثنا، قال: ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، قال: ثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -عليه السلام- لبني هاشم: " : يا بني أخي، تعجلوا قبل زحام الناس، ولا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس".

                                                حدثنا سليمان بن شعيب ، قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن، قال: ثنا المسعودي ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال: "قدم رسول الله -عليه السلام- ضعفة أهله ليلة الجمع قال: فأتى رسول الله -عليه السلام- إنسانا منهم، فحرك فخذه وقال: لا ترمين جمرة العقبة حتى تطلع الشمس".

                                                حدثنا محمد بن عمرو بن يونس قال: ثنا يحيى بن عيسى (ح).

                                                وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا محمد بن كثير (ح).

                                                وحدثنا الحسين بن نصر، قال: ثنا أبو نعيم، قالوا: ثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس، قال: قدمنا رسول الله -عليه السلام- أغيلمة بني عبد المطلب من جمع بليل، فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أي بني، لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس".

                                                حدثنا فهد ، قال: ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، قال: ثنا أبي ، قال: ثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن رسول الله -عليه السلام- مثله، غير أنه قال: "وكان يأخذ بعضد كل إنسان منا". .

                                                حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عاصم ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس قال: " أفضنا من جمع، ، فلما أن صرنا بمنى قال رسول الله -عليه السلام-: لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس". .

                                                [ ص: 37 ] فبين رسول الله -عليه السلام- لهم في هذا الحديث وقت الإصباح الذي أمرهم بالرمي فيه في الحديث الذي في الفصل الذي قبل هذا، وأنه بعد طلوع الشمس. . . . .

                                                التالي السابق


                                                ش: لما دل حديث كريب عن ابن عباس أن وقت الرمي ليس أول طلوع الفجر ولكن أوله الإصباح الذي بعده؛ شرع يبين المراد من الإصباح ما هو؟ فإنه يحتمل أن يكون طلوع الشمس، ويحتمل أن يكون قبل طلوعها، ولكن وجدت روايات عن ابن عباس أيضا تدل صريحا على أن المراد من ذلك الإصباح هو طلوع الشمس، وهو ما رواه عن النبي -عليه السلام-: "لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس" فدل ذلك على أن معنى قوله -عليه السلام- في حديث كريب: "حتى تصبحوا" أي حتى تطلع الشمس عليكم؛ وذلك لأن الإصباح هو الدخول في الصباح، والصباح في اللغة نقيض المساء، وهو وإن كان يتناول ما قبل طلوع الشمس من حين طلوع الفجر ولكن الحديث بين أن المراد منه طلوع الشمس.

                                                ثم إنه أخرج تلك الروايات عن ابن عباس من سبع طرق:

                                                الأول: عن إبراهيم بن أبي داود البرلسي ، عن أحمد بن عبد الله بن يونس شيخ البخاري ، عن أبي بكر بن عياش بن سالم الكوفي الحناط -بالنون- المقرئ، قيل: اسمه محمد، وقيل: عبد الله، وقيل: سالم، وقيل: شعبة، وقيل غير ذلك، روى له الجماعة -مسلم في مقدمة كتابه- عن سليمان الأعمش ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مقسم بن بجرة. وهذا إسناد صحيح.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا أسود بن عامر، ثنا أبو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال: "قال رسول الله -عليه السلام- ليلة المزدلفة: يا بني أخي -لبني هاشم- تعجلوا قبل زحام الناس، ولا يرمين أحد منكم العقبة حتى تطلع الشمس".

                                                [ ص: 38 ] الثاني: عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن خالد بن عبد الرحمن الخراساني محمد المروذي، وثقه يحيى وروى عنه، وروى له أبو داود والنسائي .

                                                عن المسعودي، وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي، وثقه ابن نمير وابن سعد، وقال النسائي: ليس به بأس. وروى له الأربعة، واستشهد به البخاري .

                                                وأخرجه الترمذي: عن أبي كريب ، عن المسعودي ... إلى آخره نحوه، وقال: حديث حسن صحيح.

                                                الثالث: عن محمد بن عمرو بن يونس التغلبي السنوسي ، عن يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن النهشلي الكوفي الجزار، روى له الجماعة سوى النسائي، لكن البخاري في الأدب، عن سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل بن حصين الحضرمي الكوفي أحد مشايخ أبي حنيفة ، عن الحسن بن عبد الله العرني البجلي الكوفي، روى له الجماعة سوى الترمذي، لكن البخاري مقرونا بغيره، وقال المنذري: الحسن العرني ثقة، احتج به مسلم غير أن حديثه عن ابن عباس منقطع. وقال الإمام أحمد: الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس شيئا. وقال يحيى بن معين: يقال: إنه لم يسمع من ابن عباس .

                                                وأخرجه النسائي: أنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان ، عن سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس قال: "بعثنا رسول الله -عليه السلام- أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات، يلطح أفخاذنا ويقول: أبيني، لا ترموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس".

                                                الرابع: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن محمد بن كثير العبدي البصري شيخ البخاري وأبي داود ، عن سفيان الثوري ، عن سلمة ... إلى آخره.

                                                [ ص: 39 ] وأخرجه أبو داود: نا محمد بن كثير، قال: أنا سفيان، قال: حدثني سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس قال: "قدمنا رسول الله -عليه السلام- ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات، وجعل يلطح أفخاذنا، ويقول: أبني، لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس".

                                                الخامس: عن الحسين بن نصر بن المعارك ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري ، عن سفيان الثوري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه ابن ماجه: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وعلي بن محمد، قالا: ثنا وكيع، نا مسعر وسفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن الحسن العرني ، عن ابن عباس قال: "قدمنا رسول الله -عليه السلام- أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع، فجعل يلطح أفخاذنا ويقول: أبني، لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس". زاد سفيان فيه: "ولا إخال أحدا يرميها حتى تطلع الشمس".

                                                السادس: عن فهد بن سليمان الكوفي ، عن محمد بن عمران بن أبي ليلى، وهو محمد بن عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي ، عن أبيه عمران بن محمد ، عن جده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الفقيه الكوفي قاضيها فيه مقال، روى له الأربعة، عن الحكم بن عتيبة ، عن مقسم بن بجرة ، عن ابن عباس .

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير": ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى، حدثني أبي، ثنا ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال: "بعثني النبي -عليه السلام- من مزدلفة إلى منى في ضعفة أهل بيته، وأخذ بعضد كل إنسان منا فقال: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس".

                                                [ ص: 40 ] السابع: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، عن سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ... إلى آخره".

                                                قوله: "أغيلمة". بالنصب على أنه بدل من الضمير المنصوب في قوله: "قدمنا" وقد عرف أن المظهر يبدل من المضمر الغائب دون المتكلم والمخاطب، وهو من أقسام بدل الكل من الكل، وقد عرف أيضا أن المبدل هو الذي يعتمد بالحديث، وإنما يذكر الأول لنحو من التوطئة، ولمجموعها فضل تأكيد وتبيين لا يكون في الإفراد.

                                                "والأغيلمة" تصغير أغلمة جمع غلام في القياس، ولم يرد في جمعه أغلمة وإنما قالوا: غلمة، ومثله: أصيبية تصغير صبية.

                                                وأراد بالأغيلمة: الصبيان، ولذلك صغرهم، قال الجوهري: الغلام معروف، وتصغيره غليم، والجمع غلمة وغلمان، واستغنوا بالغلمة عن الأغلمة، وتصغير الغلمة أغيلمة على غير مكبره، كأنهم صغروا أغلمة وإن كانوا لم يقولوه، وبعضهم يقول: غليمة على القياس.

                                                قوله: "من جمع". أي من مزدلفة.

                                                قوله: "بليل". أي في ليل.

                                                قوله: "فجعل يلطح" بالطاء والحاء المهملتين، قال أبو داود: اللطح: الضرب بالكف، وقال الجوهري: اللطح مثل الحطأ وهو الضرب اللين على الظهر ببطن الكف، وقد لطحه، ويقال أيضا: لطح به إذا ضرب به الأرض.

                                                قوله: "أي بني" يعني: يا بني، وأصله يا بنون، فلما أضيف إلى "ياء" المتكلم سقطت النون، فصار يا بنوي اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواو ياء، وأدغمت الياء في الياء، فصار يا بني بضم النون، ثم أبدلت من الضمة كسرة لأجل الياء فصار يا بني بفتح الياء وكسر النون، ثم دخلت عليه ها هنا حرف النداء وهو الهمزة فقيل: أبني يعني: يا بني، وفي رواية

                                                [ ص: 41 ] النسائي وابن ماجه: "أبيني" بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وكسر النون وتشديد الياء، قال الأزهري: تصغير بنين، قلت: تحقيقه أنه لما صغر عادت الهمزة، فصار: أبنيون، ولما أضيف إلى ياء المتكلم صار: أبينوي؛ لأن النون سقطت للإضافة، ففعل به ما ذكرنا الآن فصار: أبيني، والتقدير: يا أبيني حذف حرف النداء للعلم به، وقال الجوهري: الابن أصله بنو والذاهب منه "واو" كما ذهب من أب وأخ، والتصغير بني وتصغير أبناء أبيناء وإن شئت أبينون على غير مكبره، قال الشاعر:


                                                من يك لا ساء فقد ساءني ترك أبينيك إلى غير راع

                                                كأن واحده ابن، مقطوع الألف، فصغره فقال: أبينون

                                                قوله: "على حمرات" بضم الحاء المهملة والميم جمع صحة لحمر الذي هو جمع حمار.




                                                الخدمات العلمية