الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                3994 3995 3996 ص: وقد علم المسلمون أوقات رمي جمرة العقبة في يوم النحر بفعل رسول الله -عليه السلام-:

                                                حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله: " أن رسول الله -عليه السلام- رمى جمرة العقبة يوم النحر ضحى، وما سواها بعد الزوال". .

                                                حدثنا أحمد بن داود ، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، قال: ثنا ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي -عليه السلام- مثله.

                                                [ ص: 58 ] فعلم المسلمون بذلك أن الوقت الذي رمى رسول الله -عليه السلام- فيه الجمار هو وقتها، فأردنا أن ننظر هل رخص للضعفة في الرمي قبل ذلك أم لا؟

                                                فوجدناه -عليه السلام- قد تقدم إلى ضعفة بني هاشم حين قدمهم إلى منى: " " أن لا ترموا الجمرة إلا بعد طلوع الشمس".

                                                فعلمنا كذلك أن الضعفة لم يرخص لهم في ذلك أن يتقدموا غير الضعفة، وأن وقت رميهم جميعا وقت واحد، وهو بعد طلوع الشمس، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا إلى نفي صحة استدلال أهل المقالة الأولى بحديث أم سلمة فيما ذهبوا إليه من جواز رمي جمرة العقبة ليلة النحر قبل طلوع الفجر من وجه آخر، وهو أن المسلمين قد علموا وقت رمي جمرة العقبة أنه يوم النحر بفعل رسول الله -عليه السلام- على ما بينه حديث جابر، فبقي الكلام في الضعفة، هل يرخصون فيه قبل أم لا؟ فوجدنا النبي -عليه السلام- قد تقدم إلى ضعفة بني هاشم حين قدمهم إلى منى: "ألا ترموا الجمرة إلا بعد طلوع الشمس" على ما روي في حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي قدمه.

                                                فعلم بذلك أن وقت الرمي بعد طلوع الشمس في حق الكل.

                                                ثم إنه أخرج حديث جابر من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن عبد الملك بن جريج ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم ، عن جابر، وهؤلاء كلهم رجال الصحيح.

                                                وأخرجه الجماعة غير البخاري فقال مسلم: ثنا أبو بكر بن شيبة، قال: ثنا خالد الأحمر وابن إدريس ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر - رضي الله عنه - قال: "رمى رسول الله -عليه السلام- الجمرة يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فإذا زالت الشمس".

                                                [ ص: 59 ] وقال أبو داود: ثنا أحمد بن حنبل، قال: ثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: "رأيت رسول الله -عليه السلام- رمى يوم النحر ضحى، فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس".

                                                وقال الترمذي: ثنا علي بن خشرم، نا عيسى بن يونس ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن جابر، قال: "كان النبي -عليه السلام- يرمي يوم النحر ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس".

                                                وقال أبو عيسى هذا حديث صحيح.

                                                وقال النسائي: أنا محمد بن يحيى بن أيوب بن إبراهيم الثقفي المروزي، أنا عبد الله بن إدريس ، عن ابن جريج ، عن جابر قال: "رمى رسول الله -عليه السلام- الجمرة يوم النحر ضحى، فرمى بعد يوم النحر إذا زالت الشمس".

                                                وقال ابن ماجه: ثنا حرملة بن يحيى البصري، قال: نا عبد الله بن وهب، ثنا ابن جريج ، عن أبي الزبير، قال: "رأيت رسول الله -عليه السلام- رمى جمرة العقبة ضحى، وأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس".

                                                الثاني: عن أحمد بن داود المكي ، عن سليمان بن حرب شيخ البخاري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" نحوه.

                                                الثالث: عن محمد بن خزيمة ، عن الحجاج بن منهال شيخ البخاري ، عن حماد بن سلمة ... إلى آخره.

                                                [ ص: 60 ] وأخرجه الدارمي في "سننه": عن عبيد الله بن موسى ، عن ابن جريج .. إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "ضحى" أي في وقت الضحى.

                                                قوله: "ما سواها" أي رمى ما سوى جمرة العقبة بعد زوال الشمس، وهو اليوم الثاني والثالث والرابع.

                                                وقال مالك: وكان ابن عمر يقول: لا ترمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس.

                                                قلت: لا خلاف في ذلك، واختلفوا إذا رماها قبل الزوال، فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمهور العلماء: يعيد رميها بعد الزوال، وقال ابن حبيب عن مالك: هو كمن لم يرم، وقال أبو جعفر محمد بن علي: رمي الجمار من طلوع الشمس إلى غروبها، وقال الكاساني: أما وقت الرمي في اليوم الأول والثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثاني والثالث من أيام الرمي فبعد الزوال، حتى لا يجوز الرمي فيهما قبل الزوال في الرواية المشهورة عن أبي حنيفة، وروي عنه أن الأفضل أن يرمي اليوم الثاني والثالث بعد الزوال، فإن رمى قبله جاز، فإن أخر الرمي فيهما إلى الليل فرمى قبل طلوع الفجر جاز ولا شيء عليه، وإذا رمى في اليوم الثاني من أيام التشريق بعد الزوال فأراد أن ينفر من منى إلى مكة فله ذلك، والأفضل ألا يعجل بل يتأخر إلى آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث منها، فيستوفي الرمي في الأيام كلها ثم ينفر.

                                                وأما وقت الرمي في اليوم الثالث من أيام التشريق وهو اليوم الرابع من أيام الرمي فالوقت المستحب له بعد الزوال، ولو رمى قبله يجوز عند أبي حنيفة خلافا لهما، وهما يحتجان بالحديث المذكور، ولأبي حنيفة ما روي عن ابن عباس أنه قال: "إذا انتفج النهار من آخر أيام التشريق جاز الرمي" والظاهر أنه قال سماعا عن رسول الله -عليه السلام-

                                                [ ص: 61 ] إذ هو باب لا يدرك بالرأي والاجتهاد، فصار اليوم الأخير من أيام التشريق مخصوصا من حديث جابر بهذا الحديث، أو يحمل فعله في اليوم الأخير على الاستحباب، ولأن له أن ينفر قبل الرمي ويترك الرمي في هذا اليوم رأسا، فإذا جاز له ترك الرمي أصلا فلأن يجوز له الرمي قبل الزوال أولى. انتهى.

                                                قلت: حديث ابن عباس أخرجه البيهقي من حديث طلحة بن عمرو ، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: "إذا انتفج النهار من يوم النفر الآخر فقد حل الرمي والصدر".

                                                قلت: طلحة بن عمرو واه، ومعنى "انتفج" بالفاء والجيم: ارتفع.




                                                الخدمات العلمية