الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                [ ص: 487 ] 4448 ص: وقد وجدنا مثل هذا قد أباحه رسول الله -عليه السلام-:

                                                حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق ، قالا: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا ثور بن يزيد ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الله بن لحي ، عن عبد الله بن قرط ، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: " أحب الأيام إلى الله يوم النحر ثم يوم القر، فقربت إلى رسول الله -عليه السلام- بدنات خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفقهها، فقلت للذي كان إلى جنبي: ما قال رسول الله -عليه السلام-؟ فقال: قال رسول الله -عليه السلام-: من شاء اقتطع". .

                                                فلما قال رسول الله -عليه السلام- في هذا الحديث: "من شاء اقتطع"، وأباح ذلك دل هذا أن ما أباحه [ربه للناس] من طعام أو غيره فلهم أن يأخذوا من ذلك ما أحبوا، وذلك خلاف النهبة التي نهي عنها في الآثار الأول، فثبت بما ذكرنا أن النهبة التي هي في الآثار الأول هي نهبة ما لم يؤذن فيه، وإن أبيح ذلك وأذن فيه فعلى ما في هذا الأثر الثاني.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد وجدنا مثل الانتهاب الذي نثر فيه رجل متاعه وأباحه لهم أخذه ونهبه ما قد أباحه رسول الله -عليه السلام- في حديث عبد الله بن قرط الأزدي الثمالي الصحابي، وكان اسمه شيطان بن قرط فلما أسلم سماه رسول الله -عليه السلام- عبد الله، عداده في الشاميين، وكان أميرا على حمص من قبل أبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- وإنما قال مثل هذا؛ لأنه يماثل النثار الذي فيه الإذن والإباحة، وليس هو حقيقة النهبة؛ لأن قوله -عليه السلام-: "من شاء اقتطع" ليس بنثار حقيقة وإنما هو مجرد إباحة.

                                                وأخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكار القاضي وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، عن ثور بن يزيد بن زياد الرحبي أبي خالد الشامي الحمصي، روى له الجماعة سوى مسلم ، عن راشد بن سعد المقرائي، ويقال: الخبراني الحمصي، قال يحيى وأبو حاتم والعجلي والنسائي: ثقة.

                                                [ ص: 488 ] وروى له الأربعة، عن عبد الله بن لحي الهوزاني الشامي، قال العجلي: شامي تابعي ثقة من كبار التابعين. روى له من الأربعة غير الترمذي .

                                                وأخرجه أبو داود: نا إبراهيم بن موسى الرازي [أخبرنا عيسى] ونا مسدد، قال: ثنا عيسى -وهذا لفظ إبراهيم- عن ثور ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الله بن عامر بن لحي ، عن عبد الله بن قرط ، عن النبي -عليه السلام- قال: "إن أعظم الأيام عند الله -تبارك وتعالى- يوم النحر ويوم القر -قال عيسى: قال ثور: وهو اليوم الثاني- قال: وقرب لرسول الله -عليه السلام- بدنات خمس أو ست فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ قال: فلما وجبت جنوبها قال: فتكلم كلمة خفية لم أفهمها، فقلت: ما قال؟ قال: من شاء اقتطع".

                                                وأخرجه النسائي أيضا:

                                                قوله: "يوم القر" بفتح القاف، وهو اليوم الذي يلي يوم النحر، سمي به لأن الناس يقرون فيه بمنى؛ لأنهم قد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر.

                                                قوله: "فطفقن يزدلفن" أي يقتربن من الازدلاف، يقال: ازدلف إذا اقترب، أصله من زلف، فنقل إلى باب الافتعال فصار ازتلف ثم أبدلت التاء دالا فصار ازدلف.

                                                وقوله: "طفق" من أفعال المقاربة، يقال: طفق يفعل كذا: أي جعل يفعل كذا، وهو بفتح الطاء وكسر الفاء، ويقال فيه: طفق بفتح الفاء أيضا، وإنما تقوله العرب في الإيجاب.

                                                قوله: "فلما وجبت جنوبها" أي سقطت أنفسها فسقطت على جنوبها.

                                                [ ص: 489 ] ويستفاد منه أحكام:

                                                فضيلة يوم النحر وأنه أعظم الأيام عند الله ثم من بعده يوم القر وهو اليوم الثاني منه.

                                                وفيه دليل على جواز هبة المشاع وفيه خلاف يأتي في موضعه إن شاء الله.

                                                وفيه دليل على جواز أخذ النثار الذي فيه الإذن والإباحة والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية