الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4503 ص: فكان من الحجة عليهم في ذلك أن الشيء إذا كان له اسمان أحدهما مؤنث والآخر مذكر، فإن جمع بالمذكر أثبتت الهاء، وإن جمع بالمؤنث أسقطت الهاء، من ذلك أنك تقول: هذا ثوب، وهذه ملحفة، فإن جمعت بالثوب قلت: ثلاثة أثواب. وإن جمعت بالملحفة قلت: ثلاث ملاحف. وكذلك: هذه دار وهذا منزل لشيء واحد، فكأن الشيء قد يكون واحدا مسمى باسمين أحدهما مذكر والآخر مؤنث، فإذا جمع بالمذكر فعل فيه كما يفعل في جمع المذكر فأثبت الهاء، وإن جمع بالمؤنث فعل فيه كما يفعل في جمع المؤنث فأسقطت الهاء فقيل: ثلاث حيض، وإن جمع بالقروء أثبت الهاء فقيل: ثلاثة قروء وذلك كله اسمان لشيء واحد، فانتفى بذلك ما ذكرنا مما احتج به المخالف لنا.

                                                [ ص: 88 ]

                                                التالي السابق


                                                [ ص: 88 ] ش: هذا جواب عن الاحتجاج المذكور، تقريره أن يقال: إن الحيضة وإن كانت مؤنثا ولكن لفظ القرء مذكر فروعي فيه جانب اللفظ مع جواز الأمر الآخر؛ لأن عادة العرب شاعت في أن المعدود إذا كان مؤنثا واللفظ مذكرا أو بالعكس فوجهان، لكن اعتبار اللفظ عندهم أولى من اعتبار المعنى.

                                                قال القاضي عياض: تعلق بعض أصحابنا بدخول الهاء في الثلاث في قوله سبحانه وتعالى: ثلاثة قروء على أن المراد بالأقراء: الأطهار، ولو أراد الحيض لقال: ثلاث قروء؛ لأن العرب تدخل الهاء في عدد المذكر من الثلاثة إلى العشرة، وتحذفها من المؤنث.

                                                فإتيانها في قوله تعالى: ثلاثة قروء يدل على أن المراد الأطهار. وهذا غلط؛ لأن العرب قد تراعي في التذكير والتأنيث اللفظ المقرون به العدد، فتقول: ثلاث منازل. وهي تريد: ثلاث ديار إذ كانت الدار مؤنثة؛ لأن لفظ المنزل مذكر وقد يعتبر المعنى أحيانا، قال ابن أبي ربيعة:

                                                وكان مجني دون من كنت أتقي ثلاث شخوص كاعبان ومعصر

                                                فأنث على معنى الشخوص لا على اللفظ.

                                                وحكى أبو عمرو بن العلاء: أنه سمع أعرابيا يقول: فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها، قال: فقلت له: أفتقول: جاءته كتابي؟ فقال: أليس بصحيفة؟

                                                فأخبر أنه أنث مراعاة للفظة الصحيفة الذي لم يذكره لما كانت في المعنى؛ ففي الكتاب المذكور.




                                                الخدمات العلمية