الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4579 4580 ص: وقد قال بذلك جماعة من المتقدمين:

                                                حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا ابن لهيعة، قال: ثنا أبو الزبير، قال "سألت جابرا: : أتعتد المطلقة والمتوفى عنها زوجها أم تخرجان؟ فقال: لا، فقلت: أتتربصان حيث أرادتا؟ فقال جابر: لا".

                                                [ ص: 184 ] حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا عبد الله بن محمد الفهمي ، قال: أنا ابن لهيعة ، عن أبي الزبير ، عن جابر : -رضي الله عنه-: "أنه قال في المطلقة: أنها لا تعتكف، ولا المتوفى عنها، ولا تخرجان من بيوتهما حتى توفيا أجلهما".

                                                فهذا جابر بن عبد الله قد روى عن النبي -عليه السلام- في إذنه لخالته في الخروج في جداد نخلها في عدتها، مما قد ذكرناه فيما قد تقدم من هذا الكتاب.

                                                ثم قال هو بخلاف ذلك؛ فهذا دليل على ثبوت نسخ ذلك عنده.

                                                وفي حديث جابر أيضا الذي ذكرناه عنه من قوله؛ تسويته بين المطلقة والمتوفى عنها في ذلك؛ فلما كانتا في عدتهما سواء في بعض الأحداد، كذلك في كل الإحداد، وقد كان قبل ذلك في بعض العدة على ما ذكرنا في حديث أسماء، ، ثم نسخ ذلك وجعل الإحداد في كل العدة، فيحتمل أن يكون ما أمرت به خالة جابر -رضي الله عنه- كان والإحداد إنما هو في الثلاثة الأيام من العدة، ثم نسخ ذلك وجعل الإحداد في كل العدة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وقد قال بوجوب الإحداد على المطلقة كالمتوفى عنها زوجها، وبعدم جواز انتقال المتوفى عنها زوجها من بيتها، جماعة من المتقدمين منهم: جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- فإنه قد سوى بين المطلقة والمتوفى عنها زوجها في عدم جواز خروجهما من بيتهما، فكانتا في عدتهما سواء في بعض الإحداد، وهو النهي عن الخروج من البيت، فكذلك كانتا سواء في كل الإحداد، فوجب على المطلقة الإحداد كما وجب على المتوفى عنها زوجها، وقد ذكر فيما مضى أن الإحداد كان في بعض العدة وهو ثلاثة أيام كما صرح بذلك في حديث أسماء بنت عميس ثم نسخ ذلك وجعل الإحداد في كل العدة.

                                                فإذا كان كذلك يحتمل أن ما أمرت به خالة جابر من خروجها إلى جداد نخلها إنما كان حين كان وجوب الإحداد في ثلاثة أيام من العدة ثم نسخ ذلك وجعل الإحداد في جميع العدة، وقد حققنا هذا فيما مضى مستقصى.

                                                [ ص: 185 ] قوله: "فهذا جابر ... " إلى آخره. إشارة إلى بيان نسخ حديثه الذي روى عن خالته حين أذن لها بالخروج إلى جداد نخلها، وذلك لأن جابرا قد أفتى بخلاف ذلك بعد روايته، فهذا يدل على أن ذلك قد نسخ وثبت نسخه عنده، إذ لو لم يثبت ذلك لما أقدم إلى القول بخلافه.

                                                ثم إنه أخرج ما روي عن جابر من طريقين رجالهما ثقات، غير أن عبد الله بن لهيعة فيه مقال، ولكن الطحاوي قد يحتج بحديثه لما ثبت عنده من ثقته وأمانته، وكيف وقد روى عنه أئمة كبار مثل: الليث بن سعد ، وعبد الله بن المبارك ، وسفيان الثوري ومات قبله، والأوزاعي ومات قبله، وعبد الله بن وهب. وعن أحمد : من كان بمصر مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟! وحدث عنه أحمد بحديث كثير.

                                                قوله: "أتتربصان" من التربص وهو المكث والانتظار.

                                                فإن قيل: قول جابر هذا يعارضه قوله الآخر.

                                                أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" : نا محمد بن [ميسر] ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس، وعن أبي الزبير، عن جابر أنهما قالا: "تعتد المتوفى عنها زوجها حيث شاءت".

                                                قلت: يحتمل أن يكون قوله هذا قبل قوله: "لا تخرج المتوفى عنها زوجها من بيتها" كما أنه قد روى عن خالته بما يوافق قوله هذا، ثم لما ظهر عنده انتساخ حديث خالته رجع عما قاله وأفتى بخلافه. والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية