الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                4633 4634 4635 ص: وقد روي ذلك عن أبي هريرة:

                                                أخبرنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "أريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها فالتمسوها في العشر الغوابر".

                                                حدثنا أبو أمية، قال: ثنا يحيى بن صالح، قال: ثنا إسحاق بن يحيى ، عن الزهري، قال: حدثني أبو سلمة، أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "أريت ليلة القدر، فأنسيتها فالتمسوها في العشر الغوابر".

                                                حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا المسعودي ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي -عليه السلام- قال: "التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". .

                                                ففي هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- نسي الليلة التي كان أريها أنها ليلة القدر، وذلك قبل كون تلك الليلة، فأمر بالتماس ليلة القدر فيما بعد من ذلك الشهر في العشر الأواخر، فهذا خلاف ما في حديث عبادة بن الصامت، إلا أنه قد يجوز أن يكون ذلك كان في عامين؛ فرأى رسول الله -عليه السلام- في إحداهما ما ذكره عنه أبو هريرة [ قبل] كون الليلة التي هي ليلة القدر، وذلك لا ينفي أن تكون فيما بعد ذلك العام من الأعوام الجائية فيما قبل ذلك من الشهر، ، ويكون ما ذكر عبادة على أن رسول الله -عليه السلام- وقف في ذلك العام على ليلة القدر بعينها، ثم خرج ليخبرهم بها، [ ص: 241 ] فرفعت ثم أمرهم بالتماسها فيما بعد ذلك من الأعوام في السابعة والخامسة والتاسعة، وذلك أيضا على التحري لا على اليقين.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي ما ذكر من رؤية ليلة القدر في حديث عبادة عن أبي هريرة أيضا، ولكن بين حديثيهما خلاف؛ لأن في حديث عبادة رآها في ليلة بعينها، ثم رفعت بسبب ملاحاة الرجلين المذكورين، ثم أمرهم بالتماسها في التاسعة والسابعة والخامسة، وفي حديث أبي هريرة نسي الليلة التي كان أريها أنها ليلة القدر، وذلك قبل كون تلك الليلة، وأشار إلى وجه التوفيق بينهما بقوله: "إلا أنه قد يجوز أن يكون ذلك ... " إلى آخره. وهو ظاهر.

                                                ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف .

                                                وأخرجه مسلم : حدثني أبو الطاهر وحرملة بن يحيى، قالا: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس ... إلى آخره نحوه سواء، وفي آخره قال حرملة: "فنسيتها".

                                                الثاني: عن أبي أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الطرسوسي ، عن يحيى بن صالح الوحاظي شيخ البخاري ، عن إسحاق بن يحيى الكلبي الحمصي ، عن محمد بن مسلم الزهري ... إلى آخره.

                                                الثالث: عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن أسد بن موسى ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود المسعودي الكوفي ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه كليب بن شهاب الجرمي الكوفي ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه أسد السنة في "مسنده".

                                                [ ص: 242 ] قوله: "فنسيتها" بفتح النون والتخفيف، وفي رواية بالضم والتشديد، وفي رواية "فأنسيتها" من الإنساء على صيغة المجهول.

                                                قوله: "الغوابر" أي: البواقي، جمع غابر، وهذه اللفظة من الأضداد؛ فإنها تستعمل بمعنى الماضي وبمعنى الباقي، وها هنا بمعنى الباقي.




                                                الخدمات العلمية