الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
5538 5539 5540 ص: وأما ما ذكروه عن أبي برزة ، فلا حجة لهم فيه أيضا عندنا، لأن ذلك الحديث إنما هو فيما رواه حماد بن زيد ، عن جميل بن مرة: ، nindex.php?page=hadith&LINKID=34106أن رجلا باع صاحبه فرسا، فباتا في منزل، فلما أصبحا قام الرجل يسرج فرسه، فقال له: قد بعتني، فقال أبو برزة: : ( إن شئتما قضيت بينكما بقضاء رسول الله -عليه السلام-، قال رسول الله -عليه السلام-: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " وما أراكما تفرقتما".
ففي هذا الحديث ما يدل على أنهما قد كانا تفرقا بأبدانهما؛ لأن فيه أن الرجل قام يسرج فرسه، فقد تنحى بذلك من موضع إلى موضع، فلم يراع أبو برزة ذلك، [ ص: 424 ] وقال: ما أراكما تفرقتما، أي لما كنتما متشاجرين، أحدكما يدعي البيع والآخر ينكره، لم تكونا تفرقتما الفرقة التي يتم بها البيع، وهي خلاف ما قد تفرقا بأبدانهما.
ثم بعد هذا فقد وجدنا عن رسول الله -عليه السلام- ما يدل على أن nindex.php?page=treesubj&link=4489_22892_22889البيع يملكه المشتري بالقول دون التفرق بالأبدان، وذلك أن رسول الله -عليه السلام- قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=651989من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه" فكان ذلك دليلا على أنه إذا قبضه حل له بيعه، وقد يكون قابضا له قبل افتراق بدنه وبدن بائعه، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: nindex.php?page=hadith&LINKID=651982 "من ابتاع طعاما، فلا يبعه حتى يستوفيه" وسنذكر هذه الآثار في موضعها من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس، قال: ثنا nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، قال: أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة (ح).
وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17362يزيد بن سنان، قال: ثنا nindex.php?page=showalam&ids=15410أبو الأسود، قال: ثنا nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17183موسى بن وردان ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=681373nindex.php?page=treesubj&link=22838_30902_4467_4551_4896سمعت nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يخطب على المنبر يقول: "كنت أشتري التمر فأبيعه بربح الآصع، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا اشتريت فاكتل، وإذا بعت فكل، . فكان من nindex.php?page=treesubj&link=4488_4471_22889ابتاع طعاما مكايلة فباعه قبل أن يكتاله لا يجوز بيعه، فإذا ابتاعه فاكتاله وقبضه ثم فارق بائعه فكل قد أجمع أنه لا يحتاج بعد الفرقة إلى إعادة الكيل، وخولف بين اكتياله إياه بعد البيع قبل التفرق، وبين اكتياله إياه قبل البيع، فدل ذلك أنه إذا اكتاله اكتيالا يحل له بيعه، فقد كان ذلك الاكتيال منه وهو له مالك.
وإذا اكتاله اكتيالا لا يحل له بيعه فقد كاله وهو غير مالك له.
فثبت بما ذكرنا وقوع ملك المشتري في البيع بابتياعه إياه قبل فرقة تكون بعد ذلك، فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.
ش: أي ثم بعد ما ذكرنا من الدلائل الدالة على أن المراد من التفرق هو التفرق بالأقوال لا بالأبدان، قد وجدنا في الأحاديث عن النبي -عليه السلام- ما يدل على أن المشتري يملك المبيع بالقبول من غير شرط التفرق بالأبدان، وهو في قوله -عليه السلام-: nindex.php?page=hadith&LINKID=651989 "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه" على ما يأتي إن شاء الله تعالى، [ ص: 425 ] ففيه دليل صريح على أن nindex.php?page=treesubj&link=4471المشتري إذا قبض المبيع يحل له بيعه، ولا يتصور أن يحل له ذلك إلا إذا ملكه، وهذا يدل على أنه يملكه بالقبول من غير اشتراط التفرق بالأبدان، والقبض قد يكون قبل افتراق بدنه وبدن بائعه، ولا يلزم أن يكون بعد افتراقهما، فدل ذلك أن البيع يتم بالإيجاب والقبول من غير اشتراط التفرق بالأبدان.
وأن قوله -عليه السلام-: nindex.php?page=hadith&LINKID=685099 "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" هو التفرق بالأقوال؛ وإلا يلزم التضاد بين الآثار. فافهم.
قوله: "حدثنا يونس ... " إلى آخره ذكره تأكيدا لما قاله من أن المبيع يملكه المشتري بالقبول دون التفرق بالأبدان، وهو ظاهر.
وأخرجه عن طريقين فيهما nindex.php?page=showalam&ids=16457عبد الله بن لهيعة الذي تكلم فيه ولكن لا يضره ذلك لأنه إنما يخرج له إما في المتابعات وإما في الشواهد على أنا قد ذكرنا غير مرة أن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل وثقه وأثنى عليه غاية الثناء، وحدث عنه بكثير.
الطريق الأول: عن nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى المصري شيخ nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16472عبد الله بن وهب المصري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16457عبد الله بن لهيعة المصري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17183موسى بن وردان المصري القاضي، مولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح، مدني الأصل، قال nindex.php?page=showalam&ids=14765العجلي: مصري تابعي ثقة. روى له nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في غير "الصحيح" واحتجت به الأربعة.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في "مسنده" : ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، نا nindex.php?page=showalam&ids=16457عبد الله بن لهيعة، حدثني nindex.php?page=showalam&ids=17183موسى بن وردان، سمعت nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب يقول: nindex.php?page=hadith&LINKID=935632 "سمعت nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان -رضي الله عنه- وهو يخطب على المنبر: كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود يقال لهم بنو قينقاع، وأبيعه بربح، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان إذا اشتريت فاكتل وإذا بعت فكل".
[ ص: 426 ] الثاني: عن nindex.php?page=showalam&ids=17362يزيد بن سنان القزاز شيخ nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار المصري كاتب لهيعة بن عيسى قاضي مصر، عن nindex.php?page=showalam&ids=16457عبد الله بن لهيعة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17183موسى بن وردان ... إلى آخره.
وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار في "مسنده" نا محمد بن عبد الرحيم، قال: ثنا nindex.php?page=showalam&ids=13715الحسن بن موسى، قال nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة: نا nindex.php?page=showalam&ids=17183موسى بن وردان، قال: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، قال: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان يقول على المنبر: nindex.php?page=hadith&LINKID=935632 "كنت أبتاع التمر وأكتال في أوعيتي، ثم أهبط به إلى السوق، فأقول فيه كذا وكذا، فآخذ ربحي وأخلي بينهم وبينه، فبلغ ذلك النبي -عليه السلام-، فقال: إذا ابتعت فاكتل وإذا بعت فكل".
قوله: "الآصع" بمد الهمزة وضم الصاد: جمع صاع، ويجيء على أصوع أيضا وهو الأكثر، وقد تبدل الهمزة من الواو، وقد قيل: إن الآصع أصله الأصوع الذي هو جمع صاع، فنقلت الواو إلى ما قبل الصاد، فصار أوصعا، ثم قلبت الواو ألفا فصار آصعا، فيكون فيه قلبان قلب "الواو" من وضعه وقلبها "ألفا". فافهم.
قوله: "اكتل" أمر من اكتال يكتال، وكذلك قوله: "كل" أمر من كال يكيل، كباع يبيع الأمر منه بع، فالاكتيال له والكيل عليه.