الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 309 ] باب ما يجزئ من الرقاب وما لا يجزئ وما يجزئ من الصوم وما لا يجزئ .

( قال الشافعي ) رحمه الله قال الله تعالى في الظهار { فتحرير رقبة } .

( قال ) فإذا كان واجدا لها أو لثمنها لم يجزئ غيرها وشرط الله عز وجل في رقبة القتل مؤمنة كما شرط العدل في الشهادة وأطلق الشهود في مواضع فاستدللنا على أن ما أطلق على معنى ما شرط وإنما رد الله تعالى أموال المسلمين على المسلمين لا على المشركين وفرض الله تعالى الصدقات فلم تجز إلا للمؤمنين فكذلك ما فرض الله من الرقاب فلا يجوز إلا من المؤمنين ، وإن كانت أعجمية وصفت الإسلام فإن أعتق صبية أحد أبويها مؤمن أو خرساء جبلية تعقل الإشارة بالإيمان أجزأته وأحب إلي أن لا يعتقها إلا أن تتكلم بالإيمان ، ولو سبيت صبية مع أبويها كافرين فعقلت ووصفت الإسلام وصلت إلا أنها لم تبلغ لم تجزئه حتى تصف الإسلام بعد البلوغ .

( قال ) ووصفها الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتبرأ من كل دين خالف الإسلام وأحب لو امتحنها بالإقرار بالبعث بعد الموت وما أشبهه .

( قال الشافعي ) رحمه الله لا يجزئ في رقبة واجبة رقبة تشترى بشرط أن تعتق ; لأن ذلك يضع من ثمنها ولا يجزئ فيها مكاتب أدى من نجومه شيئا أو لم يؤده ; لأنه ممنوع من بيعه ولا يجزئ أم ولد في قول من لا يبيعها .

( قال المزني ) رحمه الله تعالى هو لا يجيز بيعها وله بذلك كتاب .

( قال ) : وإن أعتق عبدا له غائبا فهو على غير يقين أنه أعتق ولو اشترى من يعتق عليه لم يجزئه ; لأنه عتق بملكه ، ولو أعتق عبدا بينه وبين آخر عن ظهاره وهو موسر أجزأ عنه من قبل أنه لم يكن لشريكه أن يعتق ولا يرد عتقه ، وإن كان معسرا عتق نصفه فإن أفاد واشترى النصف الثاني وأعتقه أجزأه ، ولو أعتقه على أن جعل له رجل عشرة دنانير لم يجزئه ، ولو أعتق عنه رجل عبدا بغير أمره لم يجزئه والولاء لمن أعتقه ولو أعتقه بأمره بجعل أو غيره أجزأه والولاء له وهذا مثل شراء مقبوض أو هبة مقبوضة .

( قال المزني ) معناه عندي أن يعتقه عنه بجعل ، ولو أعتق عبدين عن ظهارين أو ظهار وقتل كل واحد منهما عن الكفارتين أجزآه ; لأنه أعتق عن كل واحدة عبدا تاما نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة ثم أخرى نصفا عن واحدة ونصفا عن واحدة فكمل فيها العتق ، ولو كان ممن عليه الصوم فصام شهرين عن إحداهما كان له أن يجعله عن أيهما شاء وكذلك لو صام أربعة أشهر عنهما أجزأه ، ولو كان عليه ثلاث كفارات فأعتق رقبة ليس له غيرها وصام شهرين ثم مرض فأطعم ستين مسكينا ينوي بجميع هذه الكفارات الظهار ، وإن لم ينو واحدة بعينها أجزأه ; لأن نيته في كل كفارة بأنها لزمته ، ولو وجبت عليه كفارة فشك أن تكون من ظهار أو قتل أو نذر فأعتق رقبة عن أيها كان أجزأه ، ولو أعتقها لا ينوي واحدة منها لم يجزئه ، ولو ارتد قبل أن يكفر فأعتق عبدا عن ظهاره فإن رجع أجزأه ; لأنه في معنى دين أداه أو قصاص أخذ منه أو عقوبة على بدنه لمن وجبت له ، ولو صام في ردته لم يجزئه ; لأن الصوم عمل البدن وعمل البدن لا يجزئ إلا من يكتب له .

التالي السابق


الخدمات العلمية