الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3747 باب : الشرب في القدح

                                                                                                                              وقال النووي : (باب إباحة النبيذ الذي لم يشتد ، ولم يصر مسكرا) .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 177 : 179 ج 13 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن سهل بن سعد، قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من العرب. فأمر أبا أسيد أن يرسل إليها. فأرسل إليها، فقدمت. فنزلت في أجم بني ساعدة. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءها. فدخل عليها، فإذا امرأة منكسة رأسها. فلما كلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: أعوذ بالله منك. قال: "قد أعذتك مني". فقالوا لها أتدرين من هذا؟ فقالت: لا. فقالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءك ليخطبك. قالت: أنا كنت أشقى من ذلك. قال سهل: فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، حتى جلس في سقيفة بني ساعدة، هو وأصحابه. ثم قال "اسقنا" لسهل. قال: فأخرجت لهم [ ص: 515 ] هذا القدح، فأسقيتهم فيه. قال أبو حازم: فأخرج لنا سهل ذلك القدح، فشربنا فيه. قال: ثم استوهبه بعد ذلك، عمر بن عبد العزيز، فوهبه له.

                                                                                                                              وفي رواية أبي بكر بن إسحاق: قال: "أسقنا. يا سهل! "].

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              ( عن سهل بن سعد) رضي الله عنهما ؛ ( قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه) وآله (وسلم امرأة من العرب . فأمر أبا أسيد) بضم الهمزة . واسمه " مالك " : ( أن يرسل إليها . فأرسل إليها فقدمت. فنزلت في أجم بني ساعدة) . بضم الهمزة والجيم . وهو " الحصن ". وجمعه : " آجام " بالمد . كعنق وأعناق .

                                                                                                                              قال أهل اللغة : الآجام " الحصون ".

                                                                                                                              ( فخرج رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، حتى جاءها . فدخل عليها ، فإذا امرأة منكسة رأسها) . يقال : " نكس رأسه " بالتخفيف . فهو ناكس . "ونكس" ، بالتشديد . فهو " منكس " . إذا طأطأه .

                                                                                                                              فلما كلمها رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ؛ قالت : أعوذ بالله منك . قال : "قد أعذتك مني ") . معناه : تركتك . وتركه [ ص: 516 ] " صلى الله عليه وآله وسلم " تزوجها : لأنها لم تعجبه ؛ إما لصورتها . أو لخلقها . وإما لغير ذلك .

                                                                                                                              وفيه : دليل ، على جواز نظر الخاطب إلى من يريد نكاحها .

                                                                                                                              وفي الحديث المشهور : "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال من استعاذكم بالله ، فأعيذوه " . فلما استعاذت بالله تعالى ؛ لم يجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدا من إعادتها وتركها . ثم إذا ترك شيئا لله لا يعود فيه .

                                                                                                                              ( فقالوا لها : أتدرين من هذا ؟ فقالت : لا . فقالوا : هذا رسول الله صلى الله عليه) وآله ( وسلم ، جاءك ليخطبك . قالت : أنا كنت أشقى من ذلك . قال سهل : فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله ( وسلم يومئذ ، حتى جلس في سقيفة بني ساعدة ؛ هو وأصحابه . ثم قال : " أسقنا " لسهل . قال : فأخرجت لهم هذا القدح ، فأسقيتهم فيه . قال أبو حازم : فأخرج لنا سهل ذلك القدح ، فشربنا فيه . قال : ثم استوهبه بعد ذلك ، عمر بن عبد العزيز) رضي الله عنه ، ( فوهبه له) .

                                                                                                                              [ ص: 517 ] يعني : "القدح " الذي شرب منه رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم .

                                                                                                                              وأخرج أبو نعيم : "قال : قال علي بن الحسين : أنا رأيت القدح ، وشربت منه .

                                                                                                                              وذكر القرطبي ؛ في مختصر البخاري : أنه رأى في بعض النسخ ، من صحيح البخاري : "قال أبو عبد الله البخاري : رأيت هذا القدح ، بالبصرة وشربت منه " . وكان اشتري من ميراث النضر بن أنس " رضي الله عنه " ، بثماني مائة ألف . كذا في الفتح . وهذا القدح غير القدح المذكور في حديث الباب

                                                                                                                              . هذا ، وفيه : التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وما مسه ، أو لبسه ، أو كان منه فيه سبب . قال النووي : وهذا نحو ما أجمعوا عليه ، وأطبق السلف والخلف عليه : من التبرك بالصلاة في مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في الروضة الكريمة ، ودخول الغار الذي دخله صلى الله عليه وآله وسلم ، وغير ذلك .

                                                                                                                              قال : ومن هذا : إعطاؤه صلى الله عليه وآله وسلم أبا طلحة شعره ، ليقسمه بين الناس . وإعطاؤه صلى الله عليه وآله وسلم حقوه لتكفن فيه بنته " رضي الله عنها ". وجعله الجريدتين على القبرين . وجمعت " بنت ملحان " عرقه صلى الله عليه وآله وسلم . وتمسحوا بوضوئه . ودلكوا وجوههم بنخامته . وأشباه هذه كثيرة مشهورة في الصحيح . وكل ذلك واضح لا شك فيه . انتهى .

                                                                                                                              [ ص: 518 ] وأقول : نعم لا شك فيه . ولكن الاقتصار على المورد ، والاحتراز عما يوقع في خلاف السنة المطهرة : من الالتصاق بآثار الصالحين ، مع ترك هديهم وسمتهم ودلهم : أحمد ، وأولى بالأخذ. ويكفي في هذا الباب : فعل ما فعله الصحابة بآثار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، " بأبي هو وأمي ! " ولا يزيد عليه ولا ينقص منه . وهذا أرجح الأقوال . والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية