الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          الرابع : لبس المخيط في بدنه أو بعضه بما عمل على قدره إجماعا ولو درعا منسوجا أو لبدا معقودا أو نحو ذلك ; لأن { النبي صلى الله عليه وسلم سئل عما يلبس المحرم ، قال : لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين } متفق عليه من حديث ابن عمر . زاد البخاري : { ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين } قال جماعة بما عمل على قدره وقصد به .

                                                                                                          وقال القاضي وغيره : ولو كان غير معتاد ، كجورب في كف وخف في رأس ، كفر ، وفي صيف ، وقليل اللبس وغيره سواء ( و ش ) لظاهر قوله { فمن كان منكم مريضا } الآية ; ولأنه

                                                                                                          [ ص: 369 ] استمتاع ، فاعتبر فيه مجرد الفعل ، كوطء في فرج أو محظور فلا تتقدر فديته بزمن كغيره واللبس في العادة مختلف ، ولا يحرم أن يأتزر بقميص بخلاف مسألتنا . وعند أبي حنيفة : في أقل من يوم أو من ليلة صدقة ، وعند مالك : إن لم يحصل له انتفاع ما بأن نزعه في الحال فلا فدية ، فإن أحرم في قميص ونحوه خلعه ولم يشقه ولا فدية ; لأن { يعلى بن أمية أحرم في جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بخلعها } متفق عليه ، ولأبي داود : { فخلعها من رأسه } . ولم يأمره بشق ولا فدية . وقال بعض العلماء يشقه لئلا يتغطى رأسه بنزعه . وإن استدام لبسه لحظة فوق المعتاد في خلعه فدى ، على ما سبق ، وإن عدم إزارا لبس سراويل نص عليه ( و ش ) لقول ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { يخطب بعرفات من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ، ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل للمحرم } متفق عليه رواه الأثبات ، وليس فيه بعرفات " قال مسلم : لم يذكر أحد منهم " بعرفات " غير شعبة .

                                                                                                          وقال البخاري : تابعه ابن عيينة عن عمر ، وذكر الدارقطني أنه تابعه سعيد بن زيد أخو حماد ولمسلم عن جابر مرفوعا مثله ، وليس فيه { يخطب بعرفات } أجاز لبس السراويل مطلقا لعدم الإزار . فلو اعتبر فتقه لم يعتبر عدمه ، ولم يشتبه على أحد ، ولم يوجب فدية ، وحملها أولى من جواز اللبس ; ولأنه جعله [ ص: 370 ] بدلا ، وهو يقوم مقام المبدل . ومتى وجد إزارا خلع السراويل .

                                                                                                          وعند أبي حنيفة ومالك : إن لبس سراويل فدى ، قال الطحطاوي ، لا يجوز لبسه حتى يفتقه ، ومعناه في الموطإ وأنه لم يسمع بلبسه ; لأنه لم يرو الخبر فيه ، وجوزه أصحابه والرازي بلا فتق ، ويفدي .

                                                                                                          وفي الانتصار احتمال يلبس سراويل للعورة فقط . وإن عدم نعلين لبس خفين بلا فدية ، نقله الجماعة ، ولا يقطع خفيه ، قال أحمد : هو فساد ، واحتج الشيخ وغيره بالنهي عن إضاعة المال ، وجوزه أبو الخطاب وغيره ، وقاله القاضي وابن عقيل وإن فائدة التخصيص كراهته لغير إحرام ، لخبر ابن عباس السابق ، قال أبو الشعثاء لابن عباس : لم يقل : ليقطعهما ، قال : لا ، رواه أحمد : حدثنا يحيى عن ابن جريج أخبرني عمرو بن دينار عنه . صحيح . وطاف عبد الرحمن بخفين فقال له عمر : والخفان مع القباء ؟ قال : لبستهما مع من هو خير منك يعني : النبي صلى الله عليه وسلم ، رواه أبو حفص العكبري ورواه أبو بكر النجاد .

                                                                                                          وروي أيضا عن ابن عمر : الخفان نعلان لمن لا نعل له . ومن رواية الحارث عن علي وعن ابن عباس . وأن المسور بن مخرمة لبسهما وهو محرم وقال : أمرتنا به عائشة ; ولأن في قطعه ضررا ، كالسراويل فإنه يمكنه فتقه ويستر عورته ولا يلبسه على هيئته ويلبسه وإن لم يكن بحضرة أحد ، وعنه : إن لم يقطعهما دون كعبيه فدى

                                                                                                          ( و ) لخبر ابن عمر ، والجواب : أن زيادة القطع لم يذكرها جماعة ممن روى الخبر عن نافع [ ص: 371 ] ورواها عبيد الله بن عمر [ عن نافع عن ابن عمر ] من قوله ، ورواها أبو القاسم بن بشران في أماليه بإسناد صحيح من قول نافع عن حمزة بن محمد الدهقان عن العباس الدوري عن كثير بن هشام عن جعفر بن برقان عنه ، ورواها مالك وأيوب وجماعة من الأئمة فرفعوها ، فقد اختلف فيها ، فإن صحت فهي بالمدينة ، لرواية أحمد عن ابن عمر { : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول على هذا المنبر } وذكره وللدارقطني أن رجلا نادى في المسجد : ما يترك الحرام من الثياب ؟ قال الدارقطني : سمعت أبا بكر النيسابوري يقول : هو في حديث ابن جريج وليث بن سعد وجويرية بن أسماء عن نافع عنه ، وخبر ابن عباس بعرفات

                                                                                                          ، فلو كان القطع واجبا لبينه للجمع العظيم الذين لم يحضر أكثرهم أو كثير منهم كلامه بالمسجد في موضع البيان ووقت الحاجة ، لا يقال : اكتفى بما سبق ; لأنه يقال : فلم ذكر لبسهما ؟ والمفهوم من إطلاقه لبسهما بلا قطع ، ثم يحمل على الجواز كما سبق في كلام القاضي وأجاب عن قولهم : المقيد يقضي على المطلق بالمنع في رواية ، ثم إذا لم يمكن تأويله ، وعن قولهم : فيه زيادة لفظ : بأن خبرنا فيه زيادة حكم جواز اللبس بلا قطع ، يعني : وهذا الحكم لم يشرع بالمدينة ، وقاله شيخنا ، وهو أولى من دعوى الشيخ ، كما قاله صاحب المغني والمحرر .

                                                                                                          وفي كلام القاضي من كلام أبي داود وما ذكر الشيخ أن ابن أبي موسى رواه نظر . وإن لبس مقطوعا دونهما مع وجود نعل لم يجز وفدى ، نص عليه ( و هـ م )

                                                                                                          [ ص: 372 ] لأنه عليه السلام شرط لجواز لبسهما عدم النعلين ، وأجازه ; لأنه يقارب النعلين ، ولم يجزه لإسقاط الفدية ; ولأنه محيط لعضو بقدره ، كغيره ، وذكر القاضي في المسألة الأولى جوازه وابن عقيل في مفرداته وصاحب المحرر وشيخنا ; لأنه ليس بخف ، وإنما أمرهم بالقطع أولا ; لأن رخصة البدل لم تكن شرعت ; لأن المقطوع يصير كنعل ، فإباحته أصلية ، وإنما المباح بطريق البدل الخف المطلق ، وإنما شرط عدم النعل ; لأن القطع مع وجوده إفساد ، وللشافعي قولان . ولبس اللالكة والجمجم ونحوهما يجوز على الثاني لا الأول ، وإن وجد نعلا لا يمكنه لبسها لبس الخف ولا فدية ، وعند أحمد : يفدي . وتباح النعل كيف كانت ، لإطلاق إباحتها ، وعنه : في عقب النعل أو قيدها السير المعترض على الزمام الفدية ، وذكره في الإرشاد ، قال القاضي : مراده العريضين ، وصححه بعضهم ; لأنه معتاد فيها ، وربما تعذر المشي بدونه ، وكما لا يجب قطع الخف وأولى ، والران كخف

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( تنبيه ) [ ص: 375 ] قوله في فصل ( الرابع ) : ولا فدية ; لأن { يعلى بن أمية أحرم في جبة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بخلعها } متفق عليه




                                                                                                          الخدمات العلمية