الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 171 ] باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله قال ( ويجوز للمكاتب البيع والشراء والسفر ) لأن موجب الكتابة أن يصير حرا يدا ، وذلك بمالكية التصرف مستبدا به تصرفا يوصله إلى مقصوده وهو نيل الحرية بأداء البدل ، والبيع والشراء من هذا القبيل ، وكذا السفر لأن التجارة ربما لا تتفق في الحضر فتحتاج إلى المسافرة ، ويملك البيع بالمحاباة لأنه من صنيع التجار ، فإن التاجر [ ص: 172 ] قد يحابي في صفقة ليربح في أخرى .

التالي السابق


( باب ما يجوز للمكاتب أن يفعله )

الظاهر أن اكتفاء المصنف في عنوان هذا الباب بما يجوز للمكاتب أن يفعله لكونه العمدة المقصود بالذات ، وإلا فقد ذكر في هذا الباب كثير مما لا يجوز للمكاتب أن يفعله كما ترى .

ثم إن صاحب العناية قال : لما ذكر أحكام الكتابة الصحيحة والفاسدة شرع في بيان ما يجوز للمكاتب أن يفعله وما لا يجوز له ، فإن جواز التصرف يبتنى على العقد الصحيح ا هـ . واقتفى أثره الشارح العيني . أقول : لا يذهب على من له أدنى مسكة سماجة التعليل بقولهما فإن جواز التصرف يبتنى على العقد الصحيح ، فإن هذا التعليل لا يقتضي تأخير هذا الباب عن أحكام الكتابة الفاسدة ، بل يقتضي تقديمه عليها فلا يتم التقريب .

وقال صاحب النهاية : لما ذكر أحكام الكتابة الصحيحة والفاسدة شرع في بيان ما يجوز للمكاتب أن يفعله وأن لا يفعله انتهى .

أقول : هذا سالم مما يتجه على ما ذكره الشارحان المسفوران ، لكن فيه أيضا سماجة لأنه جعل قوله وأن لا يفعله في حيز يجوز وعطفه على أن يفعله فصار المعنى شرع في بيان ما يجوز أن يفعله المكاتب وما يجوز أن لا يفعله ، ولا شك أن الذي ذكر في هذا الباب وقصد بيانه إنما هو ما يجوز أن يفعله المكاتب وما لا يجوز أن يفعله كما يفصح عنه قوله ولا يتزوج ولا يهب ولا يتصدق ولا يتكفل ولا يقرض لا مجرد ما يجوز أن لا يفعله ، فإن جواز أن لا يفعل شيئا لا ينافي جواز أن يفعله أيضا كما في الأشياء المباحة التي يستوي فيها جانبا الفعل والترك ، وما نحن فيه ليس كذلك قطعا ( قوله ويجوز للمكاتب البيع والشراء والسفر ) قال صاحب العناية : قد تقدمت هذه المسألة في كتاب المكاتب حيث قال : وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب من يد المولى ولم يخرج من ملكه ، وكأنه أعادها تمهيدا لقوله فإن شرط عليه أن لا يخرج من الكوفة فله أن يخرج استحسانا فإنه لم يبين ذلك ببيانه ثمة ا هـ .

[ ص: 172 ] أقول : لا يخفى عليك أن ما يصلح أن يكون تمهيدا لقوله المذكور إنما هو جواز السفر للمكاتب لا جواز البيع والشراء ، فحديث الإعادة للتمهيد لا يتم عذرا بالنظر إلى مسألتي البيع والشراء كما ترى .

وقال بعض الفضلاء : لا يخفى عليك أنه إنما ذكره هناك استطرادا ، وإنما محل ذكره هنا وهذا لفظ القدوري هاهنا انتهى . أقول : وهذا الذي ذكر هنا ليس بلفظ القدوري ، وإنما لفظه : فيجوز له البيع والشراء والسفر بفاء التفريع على قوله وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب من يد المولى ولم يخرج من ملكه ، وبإضمار المكاتب دون إظهاره ، والذي ذكر هنا بالواو بدل فاء التفريع ، وبإظهار لفظ المكاتب إنما هو لفظ البداية .

نعم حاصل معناهما واحد ، لكن هذا متحقق فيما ذكره المصنف فيما مر أيضا ، فإنه قال هناك : فيملك البيع والشراء والخروج إلى السفر ، ولا شك أن حاصل معناه متحد بما ذكره هنا ، وعن هذا قال في غاية البيان : وهذه المسألة وقع بيانها مكررا لأنه ذكرها في أوائل كتاب المكاتب عند قوله وإذا صحت الكتابة خرج المكاتب من يد المولى ولم يخرج من ملكه ، إلا أنه لم يذكر في البداية ثمة قوله فيجوز له البيع والشراء والسفر ، وذكر جواز البيع والشراء والسفر في هذا الموضع في البداية ، فلما بلغ في الهداية وهي شرح البداية هذا الموضع ساق الكلام كما ساق من غير إخلال وإن كان ذكر جواز البيع والشراء والسفر في الهداية قبل هذا ا هـ فتبصر




الخدمات العلمية