الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 439 - 440 ] فصل في كيفية القسمة قال ( وينبغي للقاسم أن يصور ما يقسمه ) ليمكنه حفظه ( ويعدله ) يعني يسويه على سهام القسمة ويروى يعزله : أي يقطعه بالقسمة عن غيره ( ويذرعه ) ليعرف قدره ( ويقوم البناء ) لحاجته إليه في الآخرة ( ويفرز كل نصيب عن الباقي بطريقه وشربه حتى لا يكون لنصيب بعضهم بنصيب الآخر تعلق ) فتنقطع المنازعة ويتحقق معنى القسمة على التمام ( ثم يلقب نصيبا بالأول ، والذي يليه بالثاني والثالث على هذا ثم يخرج القرعة ، فمن خرج اسمه أولا فله السهم الأول ، ومن خرج ثانيا فله السهم الثاني ) والأصل أن ينظر في ذلك إلى أقل الأنصباء ، حتى إذا كان الأقل ثلثا جعلها أثلاثا ، وإن كان سدسا جعلها أسداسا لتمكن القسمة ، وقد شرحناه مشبعا في كفاية المنتهى بتوفيق الله تعالى وقوله في الكتاب : ويفرز كل نصيب بطريقه وشربه بيان الأفضل ، فإن لم يفعل أو لم يمكن جاز على ما نذكره بتفصيله إن شاء الله تعالى .

والقرعة لتطييب القلوب وإزاحة تهمة الميل ، [ ص: 441 ] حتى لو عين لكل منهم نصيبا من غير إقراع جاز لأنه في معنى القضاء فيملك الإلزام . قال ( ولا يدخل في القسمة الدراهم والدنانير إلا بتراضيهم لأنه لا شركة في الدراهم والقسمة من حقوق الاشتراك ) ، ولأنه يفوت به التعديل في القسمة لأن أحدهما يصل إلى عين العقار ودراهم الآخر في ذمته ولعلها لا تسلم له ( وإذا كان أرض وبناء ; فعن أبي يوسف أنه يقسم كل ذلك على اعتبار القيمة ) لأنه لا يمكن اعتبار المعادلة إلا بالتقويم وعن أبي حنيفة أنه يقسم الأرض بالمساحة لأنه هو الأصل في الممسوحات ، ثم يرد من وقع البناء في نصيبه أو من كان نصيبه أجود دراهم على الآخر حتى يساويه فتدخل الدراهم في القسمة ضرورة كالأخ لا ولاية له في المال ، ثم يملك تسمية الصداق ضرورة التزويج وعن محمد أنه يرد على شريكه بمقابلة البناء ما يساويه من العرصة ، وإذا بقي فضل ولم يمكن تحقيق التسوية بأن كان لا تفي العرصة بقيمة البناء فحينئذ يرد للفضل دراهم ، لأن الضرورة في هذا القدر فلا يترك الأصل إلا بها .

وهذا يوافق رواية الأصل قال ( فإن قسم بينهم ولأحدهم مسيل في نصيب الآخر أو طريق لم يشترط في القسمة ) ، فإن أمكن صرف الطريق والمسيل عنه ليس له أن يستطرق في نصيب الآخر لأنه أمكن تحقيق معنى القسمة من غير ضرر [ ص: 442 ] ( وإن لم يمكن فسخت القسمة ) لأن القسمة مختلة لبقاء الاختلاط فتستأنف بخلاف البيع حيث لا يفسد في هذه الصورة ، لأن المقصود منه تملك العين ، وأنه يجامع تعذر الانتفاع في الحال ، أما القسمة لتكميل المنفعة ولا يتم ذلك إلا بالطريق ، ولو ذكر الحقوق في الوجه الأول كذلك الجواب ، لأن معنى القسمة الإفراز والتمييز ، وتمام ذلك بأن لا يبقى لكل واحد تعلق بنصيب الآخر وقد أمكن تحقيقه بصرف الطريق والمسيل إلى غيره من غير ضرر فيصار إليه ، بخلاف البيع إذا ذكر فيه الحقوق حيث يدخل فيه ما كان له من الطريق والمسيل ، لأنه أمكن تحقيق معنى البيع وهو التمليك مع بقاء هذا التعلق بملك غيره وفي الوجه الثاني يدخل فيها لأن القسمة لتكميل المنفعة وذلك بالطريق والمسيل فيدخل عند التنصيص باعتباره ، وفيها معنى الإفراز وذلك بانقطاع التعلق على ما ذكرنا ، فباعتباره لا يدخل من غير تنصيص ، بخلاف الإجارة حيث يدخل فيها بدون التنصيص ، لأن كل المقصود الانتفاع وذلك لا يحصل إلا بإدخال الشرب والطريق فيدخل من غير ذكر ( ولو اختلفوا في رفع الطريق بينهم في القسمة ، إن كان يستقيم لكل واحد طريق يفتحه في نصيبه قسم الحاكم من غير طريق يرفع لجماعتهم ) لتحقق الإفراز بالكلية دونه .

( وإن كان لا يستقيم ذلك رفع طريقا بين جماعتهم ) ليتحقق تكميل المنفعة فيما وراء الطريق ( ولو اختلفوا في مقداره جعل على عرض باب الدار وطوله ) لأن الحاجة تندفع به ( والطريق على سهامهم كما كان قبل القسمة ) لأن القسمة فيما وراء الطريق لا فيه ( ولو شرطوا أن يكون الطريق [ ص: 443 ] بينهما أثلاثا جاز وإن كان أصل الدار نصفين ) لأن القسمة على التفاضل جائزة بالتراضي .

التالي السابق


( فصل في كيفية القسمة )

لما فرغ من بيان ما يقسم وما لا يقسم شرع في بيان كيفية القسمة فيما يقسم ، لأن الكيفية صفة فتتبع جواز أصل القسمة [ ص: 440 ] الذي هو الموصوف

( قوله والقرعة لتطييب القلوب وإزاحة تهمة الميل ) قال الشراح : هذا جواب الاستحسان ، والقياس يأباها لأن استعمال القرعة تعليق الاستحقاق بخروج القرعة وهو في معنى القمار والقمار حرام ، ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمالها في دعوى النسب ودعوى الملك وتعيين العتق أو المطلقة ، ولكنا تركنا القياس هاهنا بالسنة والتعامل الظاهر من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ، وليس هذا في معنى القمار ، لأن أصل الاستحقاق في القمار يتعلق بما يستعمل فيه ، وفيما نحن فيه لا يتعلق أصل الاستحقاق بخروج القرعة ، لأن القاسم لو قال أنا عدلت في القسمة فخذ أنت هذا الجانب وأنت ذاك الجانب ، كان مستقيما إلا أنه ربما يتهم في ذلك فيستعمل القرعة لتطييب قلوب الشركاء ونفي تهمة الميل عن نفسه [ ص: 441 ] وذلك جائز ، ألا يرى أن يونس عليه السلام في مثل هذا استعمل القرعة مع أصحاب السفينة كما قال الله تعالى { فساهم فكان من المدحضين } وذلك لأنه علم أنه هو المقصود ، ولكن لو ألقى نفسه في الماء ربما نسب إلى ما لا يليق بالأنبياء فاستعمل القرعة لذلك ، وكذلك زكريا عليه السلام استعمل القرعة مع الأحبار في ضم مريم إلى نفسه مع علمه بكونه أحق بها منهم لكون خالتها عنده تطييبا لقلوبهم كما قال الله تعالى { إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } { وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع بين نسائه إذا أراد السفر تطييبا لقلوبهن } ، انتهى كلامهم وعزا في النهاية ومعراج الدراية هذا التفصيل إلى المبسوط [ ص: 442 ] أقول : بين أول كلامهم هذا وآخره تدافع ، لأنهم صرحوا أولا بأن مشروعية استعمال القرعة هاهنا جواب الاستحسان ، والقياس يأبى ذلك لكونه في معنى القمار . وقالوا آخرا إن هذا ليس في معنى القمار ، وبينوا الفرق بينه وبين القمار ، وذكروا ورود [ ص: 443 ] نظائر له في الكتاب والسنة ، فقد دل ذلك على أنه ليس مما يأباه القياس أصلا بل هو مما يقتضيه القياس أيضا فتدافعا




الخدمات العلمية