الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            معلومات الكتاب

            الغرب ودراسة الآخر (أفريقيا أنموذجًا)

            علي القريشي

            العلوم الإنسانية والاجتماعية وأهمية تدريسها

            في الجامعات الإسلامية الأفريقية

            من المعروف أن العالم الإسلامي سبق غيره في إنشاء الجامعات، فقد شهدت حواضر مثل مكة ، والمدينة ، والقاهرة ، وبغداد ، والنجف ، وتونس ، وفاس ، وقرطبة ، وتنبكتو ، وكانو ، وغيرها، مراكز علمية تبلورت في شكل جامعات، ما زال بعضها يمارس وظائفه في تدريس العلوم الإسلامية المتعددة.

            وإذا صح أن الجامعات الإسلامية التقليدية قد غلب عليها تدريس العلوم الشرعية فإن ثمة حقيقة هـي أن تأسيس هـذه العلوم وتطورها كانا يتمان في أكثر الأحيان في إطار الجدل بين الشرع والواقع، حتى أن الكثير من «الفقه» مثلا ما كان ليبرز إلا كتعبير عن إشكالات الواقع ومتغيرات [ ص: 140 ] البيئة، وبالتالي فقد كان تدريس معظم العلوم الشرعية يتم بطريقة ديناميكية، تسمح بالانفتاح على الإنسان والمجتمع ومواكبة حركتهما الحية.

            ولكن إزاء التوقف النسبي لحركة الاجتهاد من جهة، مع تعقد الحياة الإنسانية والاجتماعية من جهة ثانية، وما أخذت تشهده العلوم الإنسانية والاجتماعية في الغرب من تطور من جهة ثالثة، يدفع إلى القول: بأنه من غير الصحيح أن لا يتم إدراج العلوم الإنسانية والاجتماعية ضمن برامج الجامعة الإسلامية، بخاصة مع العودة إلى فتح باب الاجتهاد، والمناداة بضرورة التطور في العلوم الشرعية، والدعوة إلى إسلامية المعرفة، وإلى بناء العلوم الإنسانية والاجتماعية المستقلة.

            إن تدريس هـذه العلوم في الجامعات الإسلامية بات أمرا يقع في صميم المعرفة الشرعية والثقافة الإسلامية، كما أن تعقيدات الحياة الراهنة يفرض التوسل بالإمكانات التفسيرية، التي يمكن أن توفرها العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهذا ما يمكننا إدراكه إذا ما عرفنا أن العلوم المذكورة صارت تشكل في تطوراتها الحديثة خلفية ضرورية لاستنباطات الفقه والفكر الإسلاميين، ناهيك عن ضرورتها في عمليات التخطيط ودعم عمليات البناء، فضلا عن ترشيد أنشطة الدعوة والتغيير.

            نضيف إلى ذلك أن ثمة حقيقة يحسن إدراكها، هـي أن تجزأة المعرفة، ووضع فواصل بين المعرفة الدينية والمعرفة الإنسانية والاجتماعية، إنما هـو اتجاه طبقته كثير من نظم التعليم في العالم الإسلامي بتأثير فكرة الثنائية بين الدين والدنيا، التي هـي إحدى سمات الثقافة العلمانية، التي لا زالت آثارها السلبية ماثلة في حياتنا المدرسية والاجتماعية، لهذا فإن مبدأ «تكامل المعرفة» الذي [ ص: 141 ] يشكل أحد سمات المنهج المعرفي الإسلامي جدير بأن يأخذ مكانه في إعداد المناهج التعليمية في الجامعات الإسلامية، وعلى النحو الذي ينبغي أن تزول بموجبه الحواجز بين المعرفة الدينية والمعرفة الواقعية. ومن هـنا تبرز الحاجة - وبحكم المتغيرات التي أشرنا إليها - إلى إدخال

            [1] مواد علوم النفس، والاجتماع، والسياسة، ومواد التربية، والتنمية، والإعلام، وغيرها، ضمن برامج الجامعة الإسلامية ومناهجها.

            صحيح أن واقع الناس في أفريقيا المسلمة، بما يعانيه من آثار استعمارية وظروف تجهيلية وأنشطة تبشيرية، يجعل من تدريس العلوم الشرعية هـدفا مركزيا ينبغي التفرغ له كحد ضروري عاجل، لكن تعقيدات العصر وإشكاليات الحياة تدعو إلى الاهتمام بالعلوم الإنسانية والاجتماعية، جنبا إلى جنب مع العلوم الشرعية، ليس لمجرد ربط الدين بالمجتمع وإكساب المتعلم العقلية الاجتماعية، بل لتكريس الفهم الأعمق للإسلام نفسه، فضلا عن توفير شروط إيصاله إلى الناس على نحو أكثر فاعلية.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية