الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الثاني: النزعة المركزية الأوربية "Centrism - Euro"

            النزعة المركزية الأوربية مصطلح يستخدم للتعبير عن الموقف النفسي - الفكري الذي يرى بأن الغرب هـو العقل والآخرون الخرافة، والغرب هـو التحضر والآخرون التخلف، والغرب هـو المركز والآخرون الأطراف، وهذا ما ظل مستقرا في وجدان الغربيين وعقولهم



            [1] سواء على مستوى الطبقة السياسية أو النخبة العلمية أو حتى الإنسان العادي. ولهذا فإن المحاجة الرائجة حتى اليوم تقول: بأنه لا توجد لدى الثقافات المهمشة ما يخولها أبداع عقلانية من رحم ثقافتها بالطريقة التي تتناسب مع استيعاب ثقافة المركز الغربي، وبالتالي فإنه ليس أمام أصحاب هـذه الثقافات إلا الذوبان بتلك [ ص: 34 ] الثقافة. وحتى إذا ما ظهر بعض التواضع الذي يعترف لبعض الشعوب الأخرى بميراث حضاري، فإن ذلك يظل عند ذوي المنظور المركزي مشروطا باستجابة تلك الشعوب لمصالح وترميزات المركزية الغربية



            [2] .

            وقد يبدو غريبا أن يحمل هـذه النزعة الفكر الماركسي منذ الرواد الأوائل كـ « كارل ماركس »، الذي كان يعتبر غزو بريطانيا الهند قد عبر عن دور إيجابي حري بالبرجوازية أن تمارسه في مجتمع آسيوي الإنتاج، وبالمنطق المركزي نفسه قوم « أنجلر » مهمة الاستعمار الفرنسي في الجزائر، حيث اعتبرها ضرورية لتحريك هـذا المجتمع «المتخلف»؟!

            وفي مقامنا هـذا، إذ نشير إلى هـذه الظاهرة الغربية



            [3] التكوينية ضمن الوسط الأكاديمي فإنها تبدو أكثر وضوحا، حتى ليبدو أمامنا الباحث الغربي غير قادر على فهم (الآخر) إلا في ضوء مقاييسة الثقافية ورؤيته الحضارية، التي تقوده إلى اعتبار أن الجنس الأوربي وما يرتبط به من أنماط معرفية وتجارب اجتماعية هـو النموذج الذي يقاس عليه، وبالتالي لا تقوم الثقافات والتجارب الأخرى إلا على أساسه.. ولم لا، فبثنائية المركز والأطراف ذات المنزع الاستعلائي يتحول العالم إلى موضوع تحت نافذة العقل الغربي، الذي ما فتىء يتغافل ما يميز الثقافات والشعوب الأخرى من خصائص، ولا يرى غير ضرورة أن ينصاع (الآخر) إلى رؤيته وأطروحاته على النحو الذي يفقد [ ص: 35 ] ذلك (الآخر) شروط وجوده الحضاري



            [4] . وهذا في حقيقته منزع يمثل جوهر التحيز، حيث تستبدل هـوية بأخرى، ولا يرى التفرد إلا في ثقافة واحدة، وبالتالي فإن العقل الغربي حين يفرز علوما خاصة لدراسة الإنسان والمجتمع في أفريقيا المسلمة وغيرها، سنرى أن معالجاته ومفاهيمه ونظرياته ومقترحاته في مختلف أفرع تلك العلوم منقعة بهذه السيكولوجيا المعرفية فيما الزعم أنها تقدم صورة «علمية» عن الإنسان (الآخر) ونظمه وثقافاته



            [5] .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية