الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            خاتمة وتعقيب

            إذا كنا قد أدركنا، في ضوء ما تقدم، أن المنهجية المعرفية الغربية في ظل نموذجها الإرشادي، لم تعد تصلح لوصف (الآخر) والتعريف العلمي به، بخاصة حين يكون هـذا (الآخر) محلا للاستعمار، أو الاستثمار، أو ساحة [ ص: 132 ] للتجاذب والصراع، فإن البديل المعرفي الصالح لوصفه، والتعريف به وبظواهره ومشكلاته، يعتبر مطلبا ضروريا.

            وفي إطار أفريقيا المسلمة، كما في أي إطار اجتماعي إسلامي آخر، تعتبر الحقائق الدينية (القطعية) والحقائق المطلقة (التي يتوفر الدليل والاقتناع على صحة إطلاقها) والحقائق النسبية (التي يفرضها الواقع الموضوعي أو الخبرة المتراكمة) هـي المصادر التي تشكل ثلاثية المعرفة التي يستند إليها الباحث المسلم في دراسة الواقع، وتشخيص ظواهره، وتحليل الأسباب والعوامل التي تحكم حركته، بشكل علمي وبعيدا عن الأوهام.

            على هـذا النحو يمكن توفير الإنتاج العلمي النابع الذي تشاد به صروح العلوم الإنسانية والاجتماعية، سواء في أفريقيا المسلمة أو في غيرها من الدوائر الإسلامية



            [1] وذلك بما يخدم مشروع النهضة والتغيير.

            وهذه المنهجية إذ تضع «المسلمات» و «الثوابت» كمنطلق وإطار لصياغة المفاهيم والنظريات وتوجيه التحليلات، فإن ذلك مشروط بالتلازمية بين هـذه «المسلمات» و «الثوابت» من جهة، والواقع الموضوعي من جهة أخرى، بما لا يخل بموضوعية البحث وعلمية معالجته، علما بأن ما يؤكد هـذه [ ص: 133 ]

            التلازمية هـو أن الإسلام في العديد من مسلماته وثوابته الاجتماعية إنما يمثل جزءا من الواقع الموضوعي للمجتمع المسلم، وبالتالي يشكل عنصرا مهما من العناصر التي تدخل في بناء الشخصية المسلمة وتكوين معادلتها الاجتماعية.

            وإذا كان الأخذ بهذه الحقيقة تفرضه مقتضيات «ما هـو كائن»، فإن البحث العلمي الإنساني والاجتماعي في منهجيته الإسلامية معني «بما ينبغي أن يكون»، بحكم وظيفته الاجتماعية. لذا فإن التصور النموذجي للمجتمع، هـو جزء من اهتمامات الباحث المسلم وأنشطته.

            وضمن هـذا المستوى، يبرر التنظير (الافتراضي أو التوقعي) الذي قد لا نرى مثله لدى المشتغلين بهذه العلوم في الإطار الغربي، فإذا كان الكثير من المفاهيم والنظريات والقوانين في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية الغربية يتم اشتقاقها من «النظام» الاجتماعي والسياسي والاقتصادي القائم، ومن خلال سياقاته الحية - بخاصة لدى التيارات العلمية المحافظة - فإنه في الإطار الإسلامي الراهن، حيث تغيب أو تنحسر الكثير من مفردات النظام الإسلامي، فإن الباحث المسلم مضطر للتعامل مع هـذا النظام في حدود ما هـو مطبق منه على أرض الواقع، يستخرج عنه القوانين والمعطيات والحقائق، ويستحضر المغيب منها، في حدود تصور ما ينبغي أن يكون، أي اشتقاق بعض المفاهيم والنظريات، أو حتى القوانين، على نحو افتراضي، أي بصفتها حقائق متوقعة، ويتوقف ظهورها على توافر الحالة التي يأخذ فيها التطبيق الإسلامي مجاله على أرض الواقع. [ ص: 134 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية