الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الرابع: الآيديولوجيا والأهداف السياسية

            نعني بالآيديولوجيا مجموعة الأفكار والتأويلات المتصلة بتفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية والثقافية، التي تنطوي على ما هـو مرغوب أو مطلوب



            [1] في نواحي الفكر وفي حقول الحياة، وهي بهذا المعنى تنطوي بالضرورة على أهداف سياسية وثقافية يتبناها حامل الآيديولوجيا.

            ومن الطبيعي حين لا يكون العالم مقتصرا على آيديولوجية واحدة أن ينطوي المنطق الآيديولوجي على التجاذب واختزان مشاريع التدافع والصراع. وإذا كان من خصائص الآيديولوجيات انطوائها على وظيفة أساسية هـي «الوظيفة المعرفية» فإن منطلق التجاذب والتدافع والتصارع يقود [ ص: 38 ] بالضرورة إلى وظيفة أخرى هـي «الوظيفة السياسية»



            [2] التي تفرضها حاجة الفكر إلى قوة والنظرية إلى تطبيق، فإن وجد هـذان العنصران - القوة والتطبيق - كان للوظيفة السياسية مهامها الخارجية.

            ومن هـنا، كان من المتوقع أن يمارس العلم في الغرب، وبخاصة في تياراته الليبرالية المحافظة، تلك الوظيفة السياسية، سواء باتجاه الداخل حيث العمل على صون البناء الاجتماعي والتعبير عن المصالح والمقتضيات النفعية، أو باتجاه الخارج حيث خدمة المشروع الحضاري أو السياسي أو الاستراتيجي، الذي يعبر عن مصالح الاستعمار وأغراضه النفعية. ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا: إن غالبية المستشرقين والعلماء الذين مهدوا أو رافقوا الحملات الاستعمارية وعكفوا على دراسة الشعوب والمجتمعات الأخرى، كانوا يمثلون الوجه العلمي للاستعمار، وقد كان أكثر علماء الأنثروبولوجيا والاجتماع السياسي من الفرنسيين والبرتغاليين والأسبان والإنجليز، الذين تعرضوا لدراسة الظاهرة السياسية في أفريقيا من أمثال « روبير مونتاني » و « جاك بيرك » وغيرهم، هـم في الأصل موظفين لدى الإدارة الاستعمارية، وكان هـدف دراساتهم هـو الوصول إلى المعرفة التي من شأنها إنارة الإدارة حول أكثر السبل فعالية للتعامل مع الواقع، لذلك تبلور ما عرف ب «علم الاجتماع الاستعماري»



            [3] . [ ص: 39 ]

            إنه يمكن القول: بأن العالم الغربي، وهو يدرس مجتمعات الآخرين في أفريقيا أو آسيا ، لم يكن بوسعه التخلص من انحيازاته وما تعبر عنه تلك الانحيازات من أهداف سياسية نفعية، لهذا لا غرابة أن تفتقر دراساته إلى الموضوعية وما تقتضيه من التزام بما تمليه معطيات الواقع المدروس وظواهره واحتياجاته الخاصة. ولعل هـذه الحقيقة يمكن تلمسها بمجرد تفحص المسلمات والفروض الأولية التي تقوم عليها الكثير من تلك الدراسات، كما تتضح عند جردنا للعديد من الموضوعات والإشكاليات المختارة، فضلا عن الأحكام والتقويمات التي تتمخض عنها تلكم الدراسات، ناهيك عن الغايات التي تنطوي عليها والتي تخدم بالتالي أصحاب القرار.

            إن المعرفة عموما، والمعرفة الإنسانية والاجتماعية بوجه خاص، تعكس اهتمامات ومصالح الباحثين ومن يقف وراءهم.. أما مقولات: العلم من أجل العلم، والحياد المطلق، فما هـي إلا أوهام لا يحسن بأحد أن يصدقها، ولعلنا سنرى عبر هـذه الدراسة كيف أن الباحث الغربي يضمر القصدية المسبقة غير المحايدة



            [4] ويستبطن الموقف الآيديولوجي، سواء في مسلماته أو موضوعاته أو مداخله أو مفاهيمه أو مناهجه أو تحليلاته، الأمر الذي يقوده في كثير من الأحيان إلى نتائج محسوبة.

            إن الأبعاد الآيديولوجية والسياسية تشكل أحد أهم عناصر المنهجية المعرفية الغربية التي تناولت (الآخر) ، وهذا ما سنجده واضحا عند تعرضنا للدراسات التي تناولت الإنسان والمجتمع في أفريقيا المسلمة. [ ص: 40 ]

            التالي السابق


            الخدمات العلمية