الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        المبحث الثاني

        الأسلوب التكافلي المادي

        حرصت الشريعة كما بينا على معالجة جميع المشاكل التي تعاني منها البشرية، والمتدبر لأحكامها يجد أنها تضمنت الكثير من المبادئ التي تصلح لأن تكون أساسا لأروع النظريات التي تستهدف تخليص المجتمع الإنساني من معاناته وشقائه وآفاته المتمثلة بالفقر والجوع والتشرد والضياع، من أجل الارتقاء بالفرد إلى المستوى الذي يليق بكرامته وفق ما أراده الله له، والمهم أن الإنسان لا يفقد توازنه بسب الانكماش والركود الاقتصادي.. أجل، جاء الإسلام لمعالجة الأزمة النفسية الناجمة عن الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي، ليبقى الإنسان كريما عزيزا متفردا عن بقية المخلوقات، رائدا في إعمار الكون وقيادة حركة الحياة وإشاعة قيم الخير وإرساء الصرح الحضاري للمجتمعات الإنسانية، بالشكل الذي يتلاءم مع منهج الله والفطرة الإنسانية وسنن الكون ونواميسه.

        ولم يقتصر دور الشريعة على معالجة المشاكل الاقتصادية وإنما شمل معالجة جميع المشاكل التي يعاني منها الفرد والمجتمع على السواء، ولتحقيق أهداف بحثنا ينبغي قصره على دور التكافل الاقتصادي في تحقيق السياسة الجنائية بأسلوبها المعاصر في أهم حلقاتها المتمثلة بالسياسة الوقائية الاقتصادية، التي فشل المختصون في ميدان السياسة الجنائية المعاصرة في الوصول إليها. [ ص: 109 ]

        لذا سنستبعد عن قصد الجرائم الاقتصادية والجرائم الناجمة عن النمو الاقتصادي للمزيد من التفصيل عن هـذا الموضوع انظر أحمد الكبيسي، دور الشريعة الإسلامية في الوقاية من الجرائم الناجمة عن النمو الاقتصادي، [1] وذلك لاختلاف عواملها عن العوامل التي تساهم في صناعة المشاكل التي يعالجها هـذا البحث.

        كما سنترك جانبا الحديث عن نظريات علماء الإجرام لاقتصار نظرياتهم على معالجة جانب من آثار العوامل الاقتصادية والتي لا تلامس في نظرنا جوهر البحث [2] . ولا بد من الإشارة أيضا إلى أن للتكافل الاقتصادي دورا كبيرا في تحقيق السياسة الجنائية بأسلوبها المعاصر في أهم حلقاتها وهي الوقائية، التي تمثل هـدفا للمختصين في الميدان الجنائي في الوصول إليه وتحقيقه.

        وبناء على ذلك يتضمن هـذا المبحث أهم الأساليب التي اتبعتها الشريعة الغراء في معالجة المشاكل التي أشرنا إليها، وهي أساليب متنوعة، منها: وسائل التكافل الإلزامية، ووسائل التكافل الطوعية.

        كما أن صور كل وسيلة متعددة، فتشمل الوسائل الإلزامية الزكاة وصدقة الفطر والكفارات بأنواعها: كفارة اليمين، وكفارة الظهار، وكفارة الإيلاء، وكفارة الصوم، وكفارة الصيد، وكفارة الوطء في نهار رمضان. [ ص: 110 ]

        وتشمل الوسائل الطوعية: الصدقات، والأضحية، وفداء الأسرى، والوصية، والوقف بنوعيه العام والذري.

        وحيث إن هـذا البحث الموجز لا يسعه الاستئناس بذكرها جميعا فإننا سنقصر كلامنا على أهم هـذه الوسائل وهي الزكاة، وذلك في مطلبين اثنين:

        المطلب الأول: مكانة الزكاة في الإسلام.

        المطلب الثاني: دور الزكاة في تحقيق الوقاية من الجريمة.

        التالي السابق


        الخدمات العلمية