الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        المبحث الثاني السياسة الوقائية [1]

        تعني السياسة الوقائية تصورا شاملا للأهداف التي تكون قائمة في ذهن من يخطط لها، من أجل تحقيق الأمن للمواطن والسلامة والاستقرار في المجتمع، وتعني أيضا تحديد الأساليب والوسائل المؤدية إلى تحقيق هـذه التصورات، مع الحرص على إعطاء البعد الأمني لعملية التنمية بكافة صورها، أي أن نضمن خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية خططا وقائية من الجريمة، بحيث تتم عملية الوقاية من الجريمة على أساس أنها جزء من السياسة الاجتماعية العامة وليس بشكل منعزل عنها، أي يجب إعطاء التنمية بكافة أشكالها البعد الأمني المناسب القادر على تحقيق الهدف الوقائي المتمثل بشعور المواطن بالأمان والمجتمع بالاستقرار.

        فالسياسة الوقائية، كما دلت التجارب والدراسات النظرية والتجارب العملية، ليست بالأمر اليسير، فهي مسألة صعبة ومعقدة، والطريقة العلمية للوصول إلى أهدافها قد تخالف التصور، لذا ينبغي أن تبقى محكومة بمبدأ [ ص: 137 ] الشرعية، فالعلم الوقائي يشمل ميادين مختلفة تحكمها عوامل وظروف متباينة، ويتحمل مسئوليته جميع قطاعات الدولة والمؤسسات الخاصة المختلفة، التي لها اتصال مباشر وغير مباشر بالعملية الوقائية، رسمية كانت أم غير رسمية.

        فمحاربة الجهل والمرض والفقر والبطالة والتحلل الأخلاقي والإثراء غير المشروع والتفكك الاجتماعي والتصدع العائلي يتطلب أولا تحديد الإمكانات المتاحة بأسلوب علمي مدروس، ومن ثم إيجاد الوسائل القادرة على تلبية متطلبات الحياة المستجدة المتطورة والمتغيرة باستمرار؛ لذا لا يمكن لقطاع واحد مهما كانت إمكانياته البشرية والمادية أن ينهض بهذا العبء الكبير، وإنما ينبغي أن تتكامل كل الطاقات المسئولة عن العملية الوقائية، إذ يتولى الجهاز المسئول عن الوقاية بتكليف كل قطاع بتنفيذ جزء من السياسة الوقائية بعد تحديد الوسيلة اللازمة للتحقيق، بحيث يتم تنفيذ السياسة الوقائية بأكملها بشكل متناسق يكمل بعضه بعضا.

        وعلى الرغم من هـذا الاستقلال فإن التنسيق بين هـذه القطاعات يجب أن يكون قائما، إلا أن المتتبع لمفردات معظم الخطط الوقائية يلمس غياب التنسيق المطلوب الذي ينبغي أن يبقى قائما بين القطاعات، كي لا تذهب في اتجاهات مختلفة عند تفسير المرونة في العمل، فمنهم من فسر المرونة على أنها استقلال تام في العمل، لا يقف مداه عند حد الوسائل بل يتعداه إلى الأهداف مما عرض كثيرا من الجهود والقرارات إلى الهدر، في حين يقضي المنطق والمعقول أن توظف هـذه الجهود باتجاه تحقيق الهدف المشترك، كما أن بعض [ ص: 138 ] القطاعات أنشأت حواجز كاملة حجبت كل آفاق التعاون المطلوبة بين هـذه القطاعات، إضافة إلى الازدواجية الحاصلة في أكثر من جهد، مما أدى أحيانا إلى تعطيل هـذه الجهود لتقاطعها وتناقضها، ومن شأن هـذا كله أن يسبب هـدرا للطاقات لا موجب له، إذ يمكن الاستفادة منها لو كان التنسيق والتعاون بين تلك القطاعات قائما وفق ما يقتضيه التفسير الصحيح لمفهوم المرونة.

        وكما عرضنا سابقا، فإن العملية الوقائية لا يمكن لجهاز معين أو قطاع واحد أن ينهض بأعبائها؛ لذا أصبح التعاون والتنسيق والتكامل بين كل الأجهزة المسئولة عن هـذه الوقاية أمرا ضروريا تقتضيه طبيعة السياسة الوقائية.

        ويمكن القول: إن هـذه السياسة يصعب تنفيذها من قبل جهاز الشرطة فيما يخص الوقاية من الجرائم عموما، وشرطة المرور فيما يخص الوقاية من حوادث المرور والجرائم المرورية، فالوقاية من حوادث المرور مثلا لا يمكن لجهاز المرور أن ينهض بأعبائها بمفرده، مهما تهيأت له من وسائل وقدرات وإمكانيات مادية وبشرية، بل لا بد من تضافر جهود القطاعات والأجهزة الأخرى المسئولة عن عملية الوقاية، إضافة إلى القطاعات الأخرى المعنية بهذه العملية بصورة غير مباشرة كالقطاع التربوي والقطاع الصحي والقطاع الإعلامي، وهذا كله يحتم إيجاد الجهاز القادر على وضع السياسة الوقائية العامة وتنفيذها، ووضع خطط التنفيذ والبرمجة الميدانية الخاصة بكل جهاز، والتنسيق بين مختلف القطاعات العامة والخاصة لتحقيق الهدف النهائي للوقاية من الجرائم. [ ص: 139 ]

        ومن تحليل التوصيات التي تضمنها التقرير الختامي للحلقة الدراسية الخاصة ببرامج السلامة المرورية يتبين أنه تضمن التصور الأمثل لهذا الجهاز، إذ نص في التوصية الأساسية على:

        «أولا: تكوين الهيئة الوطنية لسلامة المرور التي تضطلع بإنجاز مقتضيات المرحلة التحضيرية التي تحدد لسنة واحدة كحد أدنى ولسنتين كحد أقصى من أجل إعداد مشروع المنهاج المتكامل لسلامة المرور على الطرق، وما يستوجبه ذلك من مراجعة وتقويم كافة البرامج والتدابير السابقة والحالية المعتمدة، ثم اقتراح التشريعات ذات العلاقة لسلامة المرور، وما تتضمن من تقدير للتخصصات المالية وتحديد للمستلزمات الفنية والتدابير التنفيذية اللازمة لذلك» [2] .

        وهناك حقيقة ينبغي الإشارة إليها بهذا الصدد هـي أن هـذا التحول مازال في بدايته قياسا إلى عدد الدول التي أخذت به، رغم أن كثيرا من الدول عمدت إلى وضع سياسة عامة وقائية، إلا أن غالبية الدول ما زالت وفية للسياسة الوقائية التقليدية التي اعتمدتها وسارت عليها، ولذلك فقد حث المؤتمر السابع للوقاية من الجريمة المنعقد في « ميلانو » سنة 1985م الدول على وضع سياسة وقائية عامة تهدف إلى تغيير جذري في خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية [3] . [ ص: 140 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية