الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        عولمة الجريمة (رؤية إسلامية في الوقاية)

        الأستاذ الدكتور / محمد شلال العاني

        الفصل الأول

        المنهج الأخلاقي للشريعة في الوقاية من الجريمة

        التربية الأخلاقية، تعني - بالمعنى الفني لكلمة علم - علما حديث النشأة شأنه في ذلك شأن العلوم المتصلة بالنفس الإنسانية التي لم تستقل بذاتها إلا بعد ظهور المنهج العلمي الوضعي التجريبي.. أما الفلاسفة فقد عدوها من صميم الفلسفة، إذ فرقوا في ذلك بين علم الأخلاق من حيث هـو علم نظري تجريدي، وعلم التربية من حيث هـو علم عملي.. وقد عبر سقراط عن الأخلاق الوضعية بقوله: إن أسمى المعارف في الحياة هـي المعرفة بالخير والشر، أي المعرفة بحكمة الحياة.

        أما الفلاسفة المسلمون، فإن مذهبهم في الأخلاق كان ينـزع إلى الروحانية والزهد، على الرغم من اتفاقهم مع الفلاسفة على اعتبار الأخلاق بابا من أبواب الفلسفة، لذا فإن الفقهاء المسلمين لا يفردون له بابا مستقلا وإنما يصنفونه في أسفار الإرشاد والتصوف وعلم السلوك.. واتسمت أسفار هـؤلاء الفقهاء بالعزف على أوتار التربية الأخلاقية وليس التأكيد على علم الأخلاق، كما فعل الفلاسفة، وقد أفاضوا في تحديد طبيعتها ومنابعها ومشاربها وأصولها وآثارها، وحرصوا على تحديد مفهومها ودورها في بناء شخصية المسلم، واعتبروا أن أساس البناء والإصلاح هـو [ ص: 41 ] القلب الذي هـو مستقر الخير والشر، مستدلين على ذلك بقول سيد المربين محمد : ( ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ) [1] .

        ذلك أن الرذيلة لا يمكن أن تستقر أوتنمو، بل لا تثبت في القلب السليم، إذ عملوا ما وسعهم من أجل تنقية القلوب من الشوائب، وتزكيتها من الأمراض التي تصيبها، وتجليتها من الأدران التي تعلق بها؛ ومن شأن ذلك كله حجب نورها، ومتى حجب نور القلوب فذلك المؤشر على أنها قد تلوثت وأحاطتها غشاوة حجبت نقاوتها وطهارتها، بحيث إن أصحابها لم يعودوا يفرقون بعد بين الحق والباطل والخير والشر، إذ ينظرون إلى الشر فيحسبونه خيرا، وينظرون إلى الباطل فيحسبونه حقا، مصداقا لقوله تعالى: ( ( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون ) ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ) ( ألا إنهم هـم المفسدون ولكن لا يشعرون ) ) (البقرة:10-12).

        وقد ذكر المفسر القرطبي [2] في تفسير قوله تعالى: ( ( لا تفسدوا ) ) : لا ناهية، والفساد ضد الصلاح، وحقيقته العدول عن الاستقامة إلى [ ص: 42 ] ضدها، وقوله تعالى: ( ( قالوا إنما نحن مصلحون ) ) : وإنما قالوا ذلك على ظنهم، لأن إفسادهم عندهم إصلاح، وقوله تعالى: ( ( ولكن لا يشعرون ) ) أن يكون فسادهم في ظنهم صلاحا وهم لا يشعرون أن ذلك فساد.

        لذا فإن السلوك الإجرامي والمنحرف ينشأ من الخطأ في التصور والوهم في التفكير، وهذا من شأنه قلب الحقائق، أي رؤية الأمور على خلاف صورتها، وما الظاهرة الإجرامية في المجتمع إلا نتيجة إصابة بعض أفراده بهذا الداء الخطير الذي ينجم عنه اضطراب في النفس وانحراف في التفكير يفضي إلى اقتراف الجرائم دون شعور أو إحساس من مقترفيها بالذنب أو الندم، لظنهم أن ما قاموا به من سلوك لا يتنافى مع المنطق والأخلاق وأنه طبعي ومشروع.

        ولأن التربية الأخلاقية تتميز بخصائص عديدة لها أثر كبير في بناء الفرد وتحصينه ضد الشر والجريمة والانحراف، فقد آثرت أن يتضمن موضوعها المباحث الآتية:

        المبحث الأول: أصول التربية الأخلاقية.

        المبحث الثاني: خصائص التربية الأخلاقية.

        المبحث الثالث: دور التربية الأخلاقية في بناء شخصية الفرد.

        المبحث الرابع: أثر التربية الأخلاقية في تحقيق الوقاية من الجريمة. [ ص: 43 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية