الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        معلومات الكتاب

        عولمة الجريمة (رؤية إسلامية في الوقاية)

        الأستاذ الدكتور / محمد شلال العاني

        الفصل الثاني

        المنهج التكافلي للشريعة في الوقاية من الجريمة

        تميزت السياسة الجنائية الإسلامية عن السياسة الجنائية الوضعية باعتمادها المنهج التكافلي في حلقتها الوقائية، إذ التزم المجتمع الإسلامي بتطبيق هـذا المنهج التزاما بمسئوليته الأخلاقية والدينية.

        وقد تجلت صورة هـذا التكافل بأروع معانيه وأكمل مراحله بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة، وحدث أول تكافل اجتماعي في تاريخ البشرية، وقد تأكدت معاني الأخوة بموجب هـذا التكافل الذي حقق تأصيلا للمودة وتمكينا لمشاعر الأخوة بشكل تذوب معه عصبيات الجاهلية وتسقط فوارق النسب واللون، إذ كانت هـذه الأخوة عقدا نافذا لا لفظا فارغا، وعملا يرتبط بالدماء والأموال، تظلله عواطف الإيثار والتضحية والإخلاص، لذلك فإن سياسة المؤاخاة هـذه نوع من الإعجاز السياسي الذي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم[1] . [ ص: 75 ]

        قال تعالى في وصف هـذه الأخوة: ( ( والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هـاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هـم المفلحون ) ) (الحشر:9).

        ولقد قامت هـذه الأخوة على أسس مادية أيضا، وكان حكم التوارث فيما بينهم من بين هـذه المظاهر المادية، وظلت عقود هـذا الإخاء مقدمة على حقوق القرابة إلى موقعة بدر الكبرى ، حيث نزل بعدها قوله تعالى: ( ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم ) ) (الأنفال:75)، فنسخت هـذه الآية ما كان قبلها، وانقطع أثر المؤاخاة الإسلامية في الميراث، ورجع كل مؤمن في ذلك إلى نسبه وذوي رحمه، وأصبح المؤمنون كلهم أخوة.

        أخرج البخاري ، رحمه الله، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه، قال: ( قدم عبد الرحمن بن عوف المدينة ، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد ابن الربيع الأنصاري ، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق ) .

        وكان هـذا شأن كل الأنصار، إذ كانوا يتسابقون في مؤاخاة المهاجرين حتى يؤول الأمر إلى الاقتراع، وكانوا يحكمونهم في بيوتهم وأثاثهم وأموالهم وأرضهم ويؤثرونهم على أنفسهم، فكان من الأنصار الإيثار والسماحة والكرم وكان من المهاجرين التعفف والنبل وعزة النفس. [ ص: 76 ]

        ومن أهم الآثار لهذا التكافل:

        1- أن أية دولة لا يمكن أن تنهض وتتقدم إلا على أساس من وحدة الأمة وتساندها، ولا يمكن للوحدة والتساند أن تتم بغير عامل التآخي والمحبة.

        2- أن تطبيق هـذا التكافل والمؤاخاة لم يكن مجرد شعار وإنما حقيقة عملية متصلة بواقع الحياة بكل أوجه العلاقات القائمة بين الأنصار والمهاجرين.

        3- تحقيق معاني الألفة بين الغني والفقير والقوي والضعيف، إكمالا للأخوة الحقيقية بين المؤمنين.

        وقد ترجمت الشريعة الغراء السياسة التكافلية بأسلوبين:

        الأول : الأسلوب التكافلي المعنوي.

        الثاني: الأسلوب التكافلي المادي. [ ص: 77 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية