الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الثاني]

نخبة من الباحثين

- الأخوة.. ووحدة الأصل:

ومن الركائز الأسـاس في حضارة الإسلام وفلسفته أن البشرية جميعا منحدرة من أسرة واحدة، وأن الإنسان أخو الإنسان، أحب أم كره، يقول تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) (النساء:1)، وقـال تعـالى: ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) (الحجرات:13).

وبذلك فلا مجال للتعالي والتمييز والفوارق بسبب اللون والجنس والقوم والذكورة والأنوثة، فالتساوي مقرر بأصل الخلق، وأصل المصدر الواحد، والتفاضل إنما يكون بالتنافس والكسب في إطار تكافؤ الفرص؛ وميزان الكرامـة العطاء الأفضل (التقوى)، فلا قيمة في الإسلام للفوارق القسرية، التي لا يد للإنسان فيها، وإنما التفاضل بالعمل والكسب، فالتفاضل والمفاضلة كسبية، والأكرم الأتقى، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( أنتم بنو آدم وآدم من تراب ) [1] ، وينهى عن التفاخر بالأحساب والأنساب: ( لينتهين أقوام فخرهم برجال أو ليكونن أهون على الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن ) [2] .. وكان التأكيد على هذه الركائز والسمات [ ص: 160 ] الحضارية من آخر وصاياه صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع، حيث التأكيد على مقومات حضارة الإسلام، وفلسفتها، وأهمية حمايتها، وعدم توهينها، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك يبصر ما سوف يكون في المستقبل من انتهاكات لهذه الحقوق الطبيعية.

كما أن من الحقائق المقررة شرعا وواقعا في حضارة الإسلام وفلسفته وجود التنوع في الخلق بعامة والبشر خاصة، وأنه سنة كونية وخلقية سارية في الحياة، وأنه سبيل النمو والترقي والامتداد، ومحل المدافعة، فالله سبحـانه وتعالى جعلنا، بأصل الخلق، شعوبا وقبائل، وجعل من آياته اختلاف ألسنتنا وألواننا، يقول تعالى: ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) ، ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ) (الروم:22)، ويقول: ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) (هود:118-119)، وبعض المفسرين يذهب في معنى الآية أن الله خلقهم للاختلاف، فعلة الخلق وغايته اختلاف التنوع، الذي به يكون الإغناء والإثراء والتبادل المعرفي والثقافي والنمو والارتقاء والتنافس والتحريض الحضاري.. فوجود (الآخر) من لوازم استمرار الحياة، وجدليتها، وسننها في المدافعة والمنافسة والمغالبة الشريفة. [ ص: 161 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية