الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

ظاهرة التطرف والعنف (من مواجهة الآثار إلى معالجة الأسباب) [الجزء الثاني]

نخبة من الباحثين

العنف من منظور فقهي إسلامي

المنظـور الفقهي الإسـلامي هو إحـدى المناظير المعرفية والحضارية التي ينـظر إلى حـالة العنـف عـلى وفقـها وفي ضوئها. فحالة العنف ينظر إليها من منظور سياسي ومنظور اقتصادي ومنظور اجتماعي ومنظور قانوني ودستـوري، كما ينظر إليها من منظور فقهي إسلامي يعبر عن مرجعيـة الدين الإسـلامي وخلفيته الشرعية ومنظومته الفقهية العامة والكلية والمتكاملة.

وهـذا النـظر المتعـدد يستجيب لطبيعة المعالجة الشاملة والحقيقية لحالة العنف وامتداداتـها وانتشـارها وتعاظمها، كمـا أنه يستجيب لمتطـلبات علميـة تخصصيـة ومنهجية تحتمها دواعي الرغبة في فهم المشكلة وفهم أسبابـها وظروفها ثم ضبط الحلول العملية والمخارج الآمنة والبدائل المناسبة لها.

وهو يستجـيب كذلك إلى معـنى دقيق في الدراسـات الفقهية والأصولية، هذا المعنى هو أن الأحـكام الشرعـية تتعلق بأفعال المكلفين [ ص: 18 ] (الأقوال والأعمال ومختلف التصرفات). ومن هـذه الأفعـال فعل العنف، الذي هـو سـلوك أو تصرف يقوم به الإنسان بطريق مباشر أو غير مبـاشر، وهذا الفعـل تناط به أحكامه الشرعية وترتبط به حلوله الفقهية، بحسب أحـواله وملابسـاته وقرائنه ومعطيـاته، وبناء على منهجية النظر والاجتهاد الاستنباطـية والاسـتدلالية والتـأويلية المتقررة في علوم الفقـه أصولا وفروعا ومقاصد وقواعد وضوابط.

والمنظـور الفقهي لحالة العنف معناه إحالـة هذه الحالـة بأسبابها وحـلولـها ومختلف ملابساتـها إلى الرأي الفقهي الإسـلامي المتكامل والمتناسـق، باعتبـاره بناء معرفيا متناسقا ومنظـومة شرعية متـكاملـة المعاني والخصائص، ومترابطة الفروع والأصول، ومتواصلة الجزئيات بالـكليات، ومتوافقة المباني والظواهر مع المعـاني والمقاصد، وليس باعتبار هذا الرأي حـكما جـزئيا أو توجيـها فرعيـا أو موقفا سطحيا أو ظاهريا أو معزولا عن مجمـل الحقيقـة الشـرعية الإسـلامية المتقررة بجميع نصوصها ومعانيها وأحكامها وقرائنها وسياقاتها وعموم أدلتها وكبريات مبادئها وقواعدها.

وهـذا هـو المعنى الذي قصدته بعبارة (العلوم الفقهية)، والتي دللت بـها على المعـرفة الواعيـة والدقيقة بأحوال الفقه في جزئياته وكلياته [ ص: 19 ] وقواعده وأصوله ومقاصده وآداب الاختلاف فيه ومسالك الاجتهاد والترجيح فيه ومناهج معاملة الواقع والحياة ومسايرة التطور وفعل التحضر وأداء الإبداع الإنساني في بكل أنواعه وأشكاله وأبعاده.

فالعبارة هنا عبارة شاملة ومستغرقة لجميع أفرادها ومفرداتها المعرفية والمنهجية، وليست عبارة جزئية أو مجتزأة أو مأخوذة بطريقة تقليدية تقتصر على معرفة الأحكام الجزئية والفروع الفقهية التي هي إحدى عناصر هذه العلوم وإحدى مكوناتها وعناصرها.

وبناء على هذا، فإن (المنظور الفقهي الإسلامي) أو (العلوم الفقهية) يشكل الإطار العلمي الشرعي المرجعي، أو المنظومة المعرفية الإسلامية المتكاملة التي تحال عليها حالة العنف بمختلف ملابساتها ومعطياتها من أجل فهمها ومعالجتها وإيجاد الحلول لها.

وتتعلق بهذه العلوم الفقهية أمور خارجية، كالجهات غير الفقهية والتصرفات الواقعة إزاء العمل الفقهي وتجاه أعلام الفقه ورجالاته ومؤسساته، والمواقف من الأداء الشرعي الإسلامي بوجه عام. ولهذه الأمور أثرها في ضمان دور مهم للعلوم الفقهية في تحقيق الأمن واستبعاد العنف، وهو ما سنبينه في ثنايا هذا البحث. [ ص: 20 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية