المسلك السابع  
الشبه   
ويسميه بعض الفقهاء : الاستدلال بالشيء على مثله ، وهو عام أريد به خاص ، إذ الشبه يطلق على جميع أنواع القياس; لأن كل قياس لا بد فيه من كون الفرع شبيها بالأصل ، بجامع بينهما ، وهو من أهم ما يجب الاعتناء به . قال  الإبياري     : لست أرى في مسائل الأصول مسألة أغمض منه ، وقد اختلفوا في تعريفه ، فقال   إمام الحرمين الجويني     : لا يمكن تحديده ، وقال غيره : يمكن تحديده ، فقيل : هو الجمع بين الأصل والفرع بوصف يوهم اشتماله على الحكمة المقتضية للحكم من غير تعيين ، كقول   الشافعي  في النية في الوضوء والتيمم : طهارتان فأنى تفترقان ؟ كذا قال  الخوارزمي  في الكافي .  
 [ ص: 635 ] قال في المحصول : ذكروا في تعريفه وجهين :  
( الأول ) : ما قاله  القاضي أبو بكر  ، وهو أن الوصف إما يكون مناسبا للحكم بذاته ، وإما لا يناسبه بذاته ، لكنه يكون مستلزما لما يناسبه بذاته ، وإما أن لا يناسبه بذاته ، ولا يستلزم ما يناسبه بذاته .  
( فالأول ) : هو الوصف المناسب .  
( والثاني ) : الشبه .  
( والثالث ) : الطرد .  
( الثاني ) : الوصف الذي لا يناسب الحكم ، إما أن يكون عرف بالنص تأثير جنسه القريب في الجنس القريب لذلك الحكم ، وإما أن يكون كذلك ، والأول هو الشبه; لأنه من حيث هو غير مناسب يظن أنه غير معتبر في حق ذلك الحكم ، ومن حيث إنه علم تأثير جنسه القريب في الجنس القريب لذلك الحكم مع أن سائر الأوصاف ليس كذلك يكون ظن إسناد الحكم إليه أقوى من ظن إسناده إلى غيره انتهى .  
وحكى  الإبياري  في شرح البرهان عن  القاضي     : أنه ما يوهم الاشتمال على وصف مخيل ، ثم قال : وفيه نظر ، من جهة أن الخصم قد ينازع في إيهام الاشتمال على مخيل ، إما حقا أو عنادا ، ولا يمكن التقرير عليه .  
قال  الزركشي     : والذي في مختصر التقريب من كلام  القاضي     : أن قياس الشبه هو إلحاق فرع بأصل ; لكثرة إشباهه للأصل في الأوصاف من غير أن يعتقد أن الأوصاف التي شابه الفرع بها الأصل علة حكم الأصل .  
وقيل : الشبه : هو الذي لا يكون مناسبا للحكم ، ولكن عرف اعتبار جنسه القريب في الجنس القريب .  
واختلف في  الفرق بينه وبين الطرد   ، فقيل : إن الشبه الجمع بينهما بوصف يوهم المناسبة ، كما تقدم . والطرد : الجمع بينهما بمجرد الطرد ، وهو السلامة عن النقض ونحوه .  
وقال   الغزالي  في المستصفى : الشبه لا بد أن يزيد على الطرد بمناسبة الوصف الجامع      [ ص: 636 ] لعلة الحكم وإن لم يناسب الحكم ، قال : وإن لم يريدوا بقياس الشبه هذا ، فلا أدري ما أرادوا به ، وبما فصلوه عن الطرد المحض .  
والحاصل : أن الشبهي والطردي يجتمعان في عدم الظهور في المناسب ، ويتخالفان في أن الطردي عهد من الشارع عدم الالتفات إليه ، وسمي شبها; لأنه باعتبار عدم الوقوف على المناسبة يجزم المجتهد بعدم مناسبته ، ومن حيث اعتبار الشرع له في بعض الصور يشبه المناسب ، فهو بين المناسب والطردي .  
وفرق   إمام الحرمين  بين الشبه والطرد ، بأن الطرد; نسبة ثبوت الحكم إليه ونفيه على السواء ، والشبه نسبة الثبوت إليه مترجحة على نسبة النفي; فافترقا .  
قال   ابن الحاجب  في مختصر المنتهى : ويتميز ، يعني الشبه عن  الطردي  بأن وجوده كالعدم ، وعن المناسب الذاتي بأن مناسبته عقلية ، وإن لم يرد الشرع به كالإسكار في التحريم .  
مثاله : طهارة تراد للصلاة ، فيتعين الماء ، كطهارة الحدث ، فالمناسبة غير ظاهرة ، واعتبارها في مس المصحف والصلاة يوهم المنسابة انتهى .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					