المسألة الثانية
إذا
منهم من قال بأن ذلك دليل العلم بصدقه فيما أخبر به ، فإنه لو كان كاذبا لأنكر النبي عليه السلام عليه ، وإلا كان مقرا له على الكذب مع كونه محرما ، وذلك محال في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو غير صحيح ، فإنه من الجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم غير سامع له ، بل هو ذاهل عنه ، وإن غلب على الظن السماع وعدم الغفلة ، وبتقدير أن يعلم سماعه له وعدم غفلته عنه ، فمن الجائز أن لا يكون فاهما لما يقول ، وإن غلب على الظن فهمه له ، وبتقدير أن يكون فاهما له ، فلا يخلو إما أن يكون ما أخبر به متعلقا بالدين ، أو الدنيا : فإن كان متعلقا بالدين ، وقدر كونه كاذبا فيه ، فيحتمل أن يكون قد بينه له وعلم أن إنكاره عليه وبيانه له ثانيا غير منجع فيه فلم ير في [ ص: 40 ] الإنكار عليه فائدة ، ورأى المصلحة في إهماله إلى وقت آخر ، وبتقدير عدم ذلك كله ، احتمل أن يكون كذبه في ذلك صغيرة ، وعدم الإنكار عليه في ذلك ، غايته أن يكون صغيرة في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وانتفاء الصغائر عن النبي صلى الله عليه وسلم غير مقطوع به على ما بيناه في كتبنا الكلامية . أخبر واحد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر ، ولم ينكر عليه ، هل يعلم كونه صادقا فيه ؟
هذا ، إن كان إخباره بأمر ديني ، وأما إن كان إخباره بأمر دنيوي ، فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بكونه كاذبا فيما أخبر به ، وإن ظن علمه به ، وبتقدير أن يكون عالما بكذبه ، فيحتمل أنه امتنع من الإنكار لمانع ، أو لعلمه بأنه لا فائدة في إنكاره ، وبتقدير عدم ذلك كله فيحتمل أن يكون ذلك من الصغائر - الصغائر غير ممتنعة على الأنبياء ؛ كما علم - وعلى هذا فعدم الإنكار لا يدل على صدقه قطعا ، وإن دل عليه ظنا [1] .