الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الثانية

          اتفق أصحابنا على أن النهي عن الفعل لا يدل على صحته ، ونقل أبو زيد عن محمد بن الحسن [1] وأبي حنيفة أنهما قالا : يدل على صحته .

          والمختار مذهب أصحابنا لوجهين : الأول : أن النهي لو دل على الصحة فإما أن يدل عليها بلفظه أو بمعناه ، إذ [2] الأصل عدم ما سوى ذلك ، واللازم ممتنع .

          وبيان امتناع دلالته على الصحة بلفظه أن صحة الفعل لا معنى لها سوى ترتب أحكامه الخاصة به عليه ، والنهي لغة لا يزيد على طلب ترك الفعل ولا إشعار له بغير ذلك نفيا ولا إثباتا .

          [ ص: 193 ] وبيان امتناع دلالته على ما بيناه من أن النهي بمعناه يدل على الفساد في المسألة المتقدمة ، فلا يكون ذلك مفيدا لنقيضه وهو الصحة .

          الوجه الثاني : أنا أجمعنا على وجود النهي حيث لا صحة كالنهي عن بيع الملاقيح والمضامين وبيع حبل الحبلة ، وكالنهي عن الصلاة في أيام الحيض بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " دعي الصلاة أيام أقرائك " ، والنهي عن نكاح ما نكح الآباء بقوله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) ، ولو كان النهي مقتضيا للصحة لكان تخلف الصحة مع وجود النهي على خلاف الدليل وهو خلاف الأصل ، وسواء كان لمعارض أو لا لمعارض .

          فإن قيل : إذا نهى الشرع عن صوم يوم النحر وعن الصلاة في الأوقات والأماكن المكروهة وعن بيع الربا ، فالأصل تنزيل لفظ الصلاة والصوم والبيع على عرف الشارع وعرف الشارع في ذلك إنما هو الفعل المعتبر في حكمه شرعا ، فلو لم يكن التصرف المنهي عنه كذلك لما كان هو التصرف الشرعي وهو ممتنع .

          قلنا : أولا لا نسلم وجود عرف الشرع في هذه الأسماء لما سبق ، [3] وإن سلمنا أن له عرفا لكن في طرف الأوامر أو النواهي ؟ الأول مسلم والثاني ممنوع .

          وعلى هذا فالنهي إنما هو عن التصرف اللغوي دون الشرعي وإن سلمنا عرف الشارع في هذه الأسماء ، ولكن لا نسلم أن عرفه فيها ما ذكروه ، بل ما هو بحال يصح ويمكن صحته ، ويجب الحمل على ذلك جمعا بين الأدلة ، ولا يلزم من كون التصرف ممكن الصحة وقوع الصحة ، كيف وإن ما ذكروه منتقض بما ذكرناه من المناهي [4] مع انتفاء الصحة عن منهياتها .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية