الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 251 ] المسألة العاشرة

          الفعل المتعدي إلى مفعول كقوله : والله لا آكل أو إن أكلت فأنت طالق هل يجري مجرى العموم بالنسبة إلى مفعولاته أم لا ؟ اختلفوا فيه فأثبته أصحابنا والقاضي أبو يوسف ونفاه أبو حنيفة .

          وتظهر فائدة الخلاف في أنه لو نوى به مأكولا معينا قبل عند أصحابنا ، حتى إنه لا يحنث بأكل غيره بناء على عموم لفظه له وقبول العام للتخصيص ببعض مدلولاته ، ولا يقبل عند أبي حنيفة تخصيصه به ، لأن التخصيص من توابع العموم ولا عموم .

          حجة أصحابنا ، أما في طرف النفي ، وذلك عندما إذا قال : والله لا أكلت ، أن قوله أكلت فعل يتعدى إلى المأكول ، ويدل عليه بوضعه وصيغته ، فإذا قال : لا أكلت فهو ناف لحقيقة الأكل من حيث هو أكل ، ويلزم من ذلك نفيه بالنسبة إلى كل مأكول ، وإلا لما كان نافيا لحقيقة الأكل من حيث هو أكل ، وهو خلاف دلالة لفظه .

          وإذا كان لفظه دالا على نفي حقيقة الأكل بالنسبة إلى كل مأكول ، فقد ثبت عموم لفظه بالنسبة إلى كل مأكول ، فكان قابلا للتخصيص .

          وأما في طرف الإثبات ، وهو ما إذا قال : إن أكلت فأنت طالق ، فلا يخفى أن وقوع الأكل المطلق يستدعي مأكولا مطلقا ، لكونه متعديا إليه ، والمطلق ما كان شائعا في جنس المقيدات الداخلة تحته ، فكان صالحا لتفسيره وتقييده بأي منها كان ، ولهذا لو قال الشارع : اعتق رقبة صح تقييدها بالرقبة المؤمنة ، ولو لم يكن للمطلق على المقيد دلالة لما صح تفسيره به .

          فإن قيل : يلزم على ما ذكرتموه الزمان والمكان ، فإن حقيقة الأكل لا تتم نفيا ولا إثباتا إلا بالنسبة إليهما ، ومع ذلك لو نوى بلفظه مكانا معينا أو زمانا معينا ، فإنه لا يقبل .

          قلنا : لا نسلم ذلك ، وإن سلمنا فالفرق حاصل .

          ، وذلك لأن الفعل ؛ وهو قوله : أكلت غير متعد إلى الزمان والمكان ، بل هو من ضرورات الفعل فلم يكن اللفظ [ ص: 252 ] دالا عليه بوضعه ، فلذلك لم يقبل تخصيص لفظه به لأن التخصيص عبارة عن حمل اللفظ على بعض مدلولاته ، لا على غير مدلولاته بخلاف المأكول على ما سبق [1] .

          فإن قيل : إذا قال : إن أكلت فأنت طالق فالأكل الذي هو مدلول لفظه كلي مطلق ، والمطلق لا إشعار له بالمخصص فلا يصح تفسيره به .

          قلنا : المحلوف عليه ليس هو المفهوم من الأكل الكلي الذي لا وجود له إلا في الأذهان ، وإلا لما حنث بالأكل الخاص إذ عليه ، وهو خلاف الإجماع ، فلم يبق إلا أن يكون المراد به أكلا مقيدا من جملة الأكلات المقيدة التي يمكن وقوعها في الأعيان أيا منها كان ، وإذا كان لفظه لا إشعار له بغير المقيد صح تفسيره به ، كما إذا قال : اعتق رقبة ، وفسره بالرقبة المؤمنة كما سبق .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية