الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          الشرط الثالث : أن يكون ضبطه لما يسمعه أرجح من عدم ضبطه ، وذكره له أرجح من سهوه ، لحصول غلبة الظن بصدقه فيما يرويه .

          وإلا ، فبتقدير رجحان مقابل كل واحد من الأمرين عليه أو معادلته له فروايته لا تكون مقبولة لعدم حصول الظن بصدقه ، إما على أحد التقديرين فلكون صدقه مرجوحا ، وإما على التقدير الآخر فلضرورة التساوي .

          وإن جهل حال الراوي في ذلك ، كان الاعتماد على ما هو الأغلب من حال الرواة ، وإن لم يعلم الأغلب من ذلك ، فلا بد من الاختبار والامتحان .

          فإن قيل إنه وإن غلب السهو على الذكر أو تعادلا فالراوي عدل ، والظاهر منه أنه لا يروي إلا ما يثق من نفسه بذكره له وضبطه .

          ولهذا فإن الصحابة أنكرت على أبي هريرة كثرة روايته ، حتى قالت عائشة رضي الله عنها : رحم الله أبا هريرة ، لقد كان رجلا مهزارا في حديث المهراس [1] ومع ذلك قبلوا أخباره ، لما كان الظاهر من حاله أنه لا يروي إلا ما يثق من نفسه بضبطه وذكره .

          وأيضا فإن الخبر دليل والأصل فيه الصحة ، فتساوي الضبط والاختلال والذكر والنسيان غايته أنه موجب للشك في الصحة ، والشك في ذلك لا يقدح في الأصل ، كما إذا كان متطهرا ، ثم شك بعد ذلك أنه محدث أو طاهر فإن الأصل هاهنا لا يترك بهذا الشك .

          [ ص: 76 ] قلنا : إذا كان الغرض [2] إنما هو غلبة السهو أو التعادل ، فالراوي وإن كان الغالب من حاله أنه لا يروي إلا ما يظن أنه ذاكر له ، فذلك لا يوجب حصول الظن بصحة روايته ؛ لأن من شأنه النسيان يظن أنه ما نسي ، وإن كان ناسيا .

          وأما إنكار الصحابة على أبي هريرة كثرة الرواية ، فلم يكن ذلك لاختلال ضبطه وغلبة النسيان عليه ، بل لأن الإكثار مما لا يؤمن معه اختلال الضبط الذي لا يعرض لمن قلت روايته وإن كان ذلك بعيدا .

          وما قيل من أن الخبر دليل ، والأصل فيه الصحة ، فلا يترك بالشك .

          قلنا : إنما يكون دليلا ، والأصل فيه الصحة ، إذا كان مغلبا على الظن ، ومع عدم ترجيح ذكر الراوي على نسيانه لا يكون مغلبا على الظن فلا يكون دليلا لوقوع التردد في كونه دليلا لا في أمر خارج عنه ، ولا كذلك فيما إذا شك في الحدث ، ثم تيقن سابقة الطهارة ، فإن تيقن الطهارة السابقة لا يقدح فيه الشك الطارئ ، وبالنظر إليه يترجح إليه أحد الاحتمالين ، فلا يبقى معه الشك في الدوام حتى إنه لو بقي الشك مع النظر إلى الأصل ، لما حكم بالطهارة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية