الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الثالثة

          إذا روى جماعة من الثقات حديثا ، وانفرد واحد منهم بزيادة في الحديث لا تخالف المزيد عليه ، كما لو روى جماعة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت ، وانفرد واحد منهم بزيادة ، فقال : دخل البيت وصلى ، فلا يخلو إما أن يكون مجلس الرواية مختلفا بأن يكون المنفرد بالزيادة روايته عن مجلس غير مجلس الباقين ، أو أن مجلس الرواية متحد ، ويجهل الأمران .

          فإن كان المجلس مختلفا ، فلا نعرف خلافا في قبول الزيادة ، لاحتمال أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فعل الزيادة في أحد المجلسين دون الآخر ، والراوي عدل ثقة ، ولم يوجد ما يقدح في روايته ، فكانت روايته مقبولة .

          ولهذا فإنه لو روى حديثا لم ينقله غيره مع عدم حضوره لم يقدح ذلك في روايته ، وكذلك لو شهد اثنان على شخص بألفي درهم لزيد في مجلس ، وشهدت بينة أخرى عليه في مجلس آخر بألف ، لا يكون ذلك قادحا في الألف الزائدة ، مع أن باب الشهادة أضيق من باب الرواية كما قررنا .

          وأما إن اتحد المجلس ، فإن كان من لم يرووا الزيادة قد انتهوا إلى عدد لا يتصور في العادة غفلة مثلهم عن سماع تلك الزيادة وفهمها ، فلا يخفى أن تطرق الغلط والسهو إلى الواحد فيما نقله من الزيادة ، يكون أولى من تطرق ذلك إلى العدد المفروض [ ص: 109 ] فيجب ردها [1] وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد ، فقد اتفق جماعة الفقهاء والمتكلمين على وجوب قبول الزيادة ، خلافا عنه لجماعة من المحدثين ، ولأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه .

          ودليل ذلك أن الراوي عدل ثقة ، وقد جزم بالرواية ، وعدم نقل الغير لها فلاحتمال أن يكون من لم ينقل الزيادة قد دخل في أثناء المجلس وسمع بعض الحديث أو خرج في أثناء المجلس لطارئ أوجب له الخروج قبل سماع الزيادة .

          وبتقدير أن يكون حاضرا من أول المجلس إلى آخره ، فلاحتمال أن يكون قد طرأ ما شغله عن سماع الزيادة وفهمها من سهو أو ألم أو جوع أو عطش مفرط ، أو فكرة في أمر مهم ، أو اشتغال بحديث مع غيره والتفات إليه ، أو أنه نسيها بعد ما سمعها .

          ومع تطرق هذه الاحتمالات وجزم العدل بالرواية ، لا يكون عدم نقل غيره للزيادة قادحا في روايته .

          فإن قيل : هذه الاحتمالات وإن كانت منقدحة في حق من لم يرو الزيادة ، فاحتمال الغلط والسهو على الناقل للزيادة أيضا منقدح .

          وذلك بأن يتوهم أنه سمع تلك الزيادة ، ولم يكن قد سمعها ، أو أنه سمعها من غير الرسول ، وتوهم سماعها من الرسول ، أو أنه ذكرها على سبيل التفسير والتأويل ، فظن السامع أنها زيادة في الحديث المروي ، وذلك كما روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه نهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفى .

          قال ابن عباس : ولا أحسب غير الطعام إلا كالطعام ، فأدرجه بعض الرواة في الحديث .

          وكذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " فإذا زادت الإبل على مائة وعشرين استؤنفت الفريضة " فظن الراوي أن الاستئناف إعادة للفرض الأول في المائة الأولى ، فقال : في كل خمس شاة ، وأدرج ذلك في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع تعارض الاحتمالات ، فليس العمل بالزيادة أولى من تركها ، بل الترجيح بجانب الترك لوجهين : [ ص: 110 ] الأول : أن احتمال تطرق الغلط والسهو على الواحد أكثر من احتمال تطرقه إلى الجماعة .

          الثاني : أن الترك على وفق النفي الأصلي ، والإثبات على خلافه ، فكان أولى ، ولهذا فإنه لو اجتمع المقومون على قيمة متلف ، وخالفهم واحد بزيادة في تقويمه في القيمة فإن الزيادة تلغى بالإجماع .

          والجواب عما عارضوا به من السهو في حق راوي الزيادة ، أنه وإن كان منقدحا ، غير أن ما ذكرناه من الاحتمالات في حق من لم يرو الزيادة أكثر ، ولأن سهو الإنسان عما سمعه يكون أكثر من سهوه فيما لم يسمعه أنه سمعه .

          وما ذكروه من الزيادة بناء على احتمال التفسير والتأويل ، وإن كان قائما ، غير أنه في غاية البعد ، إذ الظاهر من حال العدل الثقة أنه لا يدرج في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس فيه لما فيه من التدليس والتلبيس ، ولو جوز مثل ذلك فما من حديث إلا ويمكن أن يتطرق إليه هذا الاحتمال ، ويلزم من ذلك إبطال جميع الأحاديث .

          وما ذكروه من الترجيح الأول فغير مطرد فيما إذا كان عدد الناقل للزيادة مساويا لعدد الآخرين ، وهو من جملة صور النزاع ، وبتقدير أن يكون أكثر ، فقد بينا أن الترجيح بجانب الواحد .

          وما ذكروه من الترجيح الثاني فهو معارض بما إذا كانت الزيادة مقتضية لنفي حكم لولاها لثبت ، وأما التقويم فحاصله يرجع إلى ظن وتخمين بطريق الاجتهاد ، ولا يخفى أن تطرق الخطأ في ذلك إلى الواحد أكثر من تطرقه إلى الجمع ، بخلاف الرواية ، فإنها لا تكون إلا بنقل ما هو محسوس بالسمع ، وتطرق الخطأ إليه بعيد .

          وأما إن جهل الحال في أن الرواية عن مجلس واحد أو مجالس مختلفة ، فالحكم على ما سبق فيما إذا اتحد المجلس ، وقبول الزيادة فيه أولى ، نظرا إلى احتمال اختلاف مجلس الرواية .

          هذا كله فيما إذا لم تكن الزيادة مخالفة للمزيد عليه [ ص: 111 ] وأما إن كانت مخالفة له ، بحيث لا يمكن الجمع بينهما ، فالظاهر التعارض خلافا لبعض المعتزلة ، وعلى هذا لو روى الواحد الزيادة مرة ، وأهملها مرة ، في حديث واحد ، فالتفصيل والحكم على ما تقدم فيما إذا تعددت الرواة ، فعليك بالاعتبار .

          وكذلك الخلاف فيما إذا أسند الخبر واحد ، وأرسله الباقون ، أو رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأوقفه الباقون على بعض الصحابة .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية